عقدت رئيسة الوزراء اليابانية المنتخبة حديثا ساناي تاكايشي في 31اكتوبر/تشرين الأول (بعد مرور عشرة أيام فقط على توليها منصبها) اجتماعا وديا نسبيا مع الرئيس الصيني شي جين بينغ على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (أبيك) في كوريا الجنوبية. وقال المحلل بول هير، وهو زميل أول غير مقيم في مجلس شيكاغو للشؤون العالمية، شغل منصب مسؤول الاستخبارات الوطنية لشؤون شرق آسيا بين عامي 2007 و2015 في تقرير نشرته مجلة ناشونال انتريست الأميركية، إنه بينما أثار كل من شي وتاكايشي مخاوف ثنائية قائمة منذ فترة طويلة، أكدا مجددا عزمهما على بناء علاقة تعاونية ومستقرة ومفيدة للطرفين بين بلديهما. ولكن العلاقة بدأ يسودها التوتر والتحول إلى أزمة بعد ذلك بأسبوع، عندما قالت تاكايشي، ردا على أسئلة في البرلمان الياباني (الدايت)في السابع من نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، إن من المرجح أن يخلق أي صراع عسكري بشأن تايوان "وضعا يهدد بقاء اليابان" وربما يدفع باتجاه رد عسكري من جانب طوكيو. وكان رد فعل بكين غاضبا بشدة. وطالبت وزارة الخارجية الصينية منذ ذلك الحين تاكايشي بسحب تصريحاتها و"التوقف عن اللعب بالنار في قضية تايوان" لأن "أولئك الذين يلعبون بالنار سوف تحرقهم". وأشار هير إلى أن كثيرا من المعلقين وصفوا كل هذا بأنه رد فعل صيني يتسم بالمبالغة على بيان ياباني حميد نسبيا حتى وإن كان يفتقر إلى الفطنة. لكن هناك ظلالا تاريخية تخيم على هذه الأزمة. فقد استولت الإمبراطورية اليابانية على تايوان من الصين كغنيمة من حرب عام 1895، وفي وقت لاحق غزتها وشنت حربا وحشية بشكل خاص ضدها بين عامي 1937 و1945. وقارنت بيانات وزارة الخارجية الصينية تصريح تاكايشي بشأن "الوضع المهدد للبقاء لبلادها" بالمنطق الذي تذرعت به الإمبراطورية اليابانية لتبرير الغزو. واستشهدت بكين أيضا بإعلان القاهرة لعام 1943 وإعلان بوتسدام لعام 1945 اللذين أصدرهما إنذاك الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت، ورئيس الوزراء البريطاني نستون تشرشل، والزعيم الصيني تشيانج كاي شيك وتضمنتا أنه في نهاية الحرب العالمية الثانية، "سوف يتم إعادة جميع الأراضي التي سرقتها اليابان من الصينيين... إلى جمهورية الصين". والأمر الأكثر أهمية هو أنه عندما أقامت اليابان علاقات دبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية عام 1972 أكدت طوكيو اعترافها بأن بكين هى "الحكومة الشرعية الوحيدة للصين"، وأضافت أن اليابان "تتفهم وتحترم تماما" موقف بكين القائل بأن "تايوان جزء لا يتجزأ من أراضي جمهورية الصين الشعبية". وذهب هذا الموقف أبعد من موقف واشنطن عندما أقامت علاقات دبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية عام 1979: فبينما أعربت طوكيو عن تفهمها واحترامها التام لموقف جمهورية الصين الشعبية بأن تايوان جزء من الصين، "اعترفت واشنطنبالصين" فقط. وفي 31 أكتوبر/تشرين الأول، قالت رئيسة الوزراء اليابانية إن طوكيو "ستلتزم بموقفها المعلن في البيان المشترك بين اليابانوالصين لعام 1972". وهذا هو السبب وراء رد بكين بشدة على تصريحات تاكايشي في البرلمان والتي تدل ضمنا على أن اليابان ستدرس استخدام القوة العسكرية لمنع الصين من استعادة تايوان. وبذلك ذهبت تاكايشي إلى أبعد من رئيس الوزراء الياباني السابق شينزو آبي - أحد مرشديها - الذي قال (عقب مغادرته منصبه فقط) إن "حالة طوارئ لتايوان" ستكون حالة طوارئ لليابان، لكنه لم يحدد مطلقا أن طوكيو سترد بالقوة العسكرية. لقد احتفظ آبي أساسا بما يتم الإشارة إليه في واشنطن ب"الغموض الاستراتيجي"، بينما تجاوزت تاكايشي هذا الخط. وبالطبع ، سعى الدبلوماسيون الصينيون أيضا إلى تأجيج النار بردودهم العدائية، والتي استلهمت بلا شك التاريخ المذكور أنفا للهجمات العسكرية اليابانية على سيادة الصين وسلامة أراضيها. وربما كان التهديد الواضح بقطع رأس تاكايشي الذي أطلقه القنصل العام الصيني في أوساكا تحذيرا من عقاب قاسٍ إذا انتهكت اليابان مطالب السيادة الصينية من خلال التدخل عسكريا في قضية تايوان، وليس اغتيال تاكايشي. ومن المرجح أنه كان يحاول إثارة صور تاريخية لعمليات قطع رؤوس مواطنين صينيين بإجراءات سريعة نفذها جنود يابانيون خلال الحرب الصينيةاليابانية. لقد كان ذلك بمثابة دعاية تحريضية، لكن السجل التاريخي حاضر لكي تستغله بكين. ومازالت تبقى الكيفية التي ينظر بها إلى هذه الأزمة الثنائية ومتى يكون قريبا حلها. وعلى ضوء الخلفية التاريخية ذات الصلة، لن يتم نزع فتيل هذه الأزمة من خلال إنكار أي شرعية لموقف بكين. لقد تجاوزت تاكايشي خطا أحمر، ومن غير المرجح أن تمنحها بكين أي مساحة للتحرك والمناورة ، وربما ترى أنه يتعين إرغام رئيسة الوزراء اليابانية الجديدة على فهم موقف بكين الجوهري بشأن قضية تايوان. وترددت تقارير مفادها أن تاكايشي أكدت أنه لم يحدث أي تغيير في السياسة اليابانية واعترفت بأنه ما كان يتعين عليها أن تتناول سيناريوهات افتراضية. لكن من المؤكد تقريبا أنها مقيدة سياسيا مما يمنعها من الاستجابة لمطلب بكين بسحب تصريحاتها، نظرا لرد الفعل الشعبي القوي في اليابان على الرد الصيني التحريضي. وتحتاج طوكيووبكين إلى إيجاد مخرج من هذه الأزمة، حيث لايخدم تجدد طويل للتوترات الصينيةاليابانية ،بصفة خاصة بشأن تايوان،مصالح أي من الدولتين. وسعت بكين منذ فترة طويلة إلى رصد أي تصدعات في التحالف الأميركي الياباني واستغلالها لمصلحتها. ومع ذلك ،فإن من المرجح أن يكون لهذه الأزمة نتائج عكسية تحول دون تحقيق ذلك الهدف من خلال تعزيز الحاجة الملحوظة للتحالف والمصالح المشتركة لطوكيووواشنطن في أمن تايوان. وربما يأمل القادة الصينيون في تقويض الدعم المحلي الذي تحظى به تاكايشي ويؤدي إلى استبدالها كرئيسة للوزراء، ولكن هذا النهج أيضا ربما يكون له تأثير عكسي . وتنطوي الدبلوماسية التي تنتهجها بكين على مخاطر حيث تعزز صورتها كقوة إقليمية متنمرة ، وتؤدي لتآكل التعاطف الدولي معها كونها ضحية تاريخية لليابان. ولكن الكرة في ملعب تاكايشي التي أرسلت دبلوماسيا يابانيا رفيع المستوى إلى بكين لتهدئة الوضع، لكن هذا المسعى لم يكلل بالنجاح. وربما تحتاج تاكيشي في نهاية المطاف إلى توضيح سياسة "الصين الواحدة" التي تنتهجها طوكيو، على نحو يتجاوز مجرد التأكيد مجددا على موقفها لعام 1972. وفي الواقع، تواجه تاكايتشي نفس المعضلة التي تواجهها واشنطن:حيث تجعل سياستها بشأن "الصين الواحدة" جوهرية وذات مصداقية عندما تزعم تايوان أنها "دولة مستقلة ذات سيادة"، وتطالب بكينواشنطن (وطوكيو) بمعارضة "استقلال" تايوان بشكل واضح والتخلي عن سياسة "صين واحدة، تايوان واحدة". واختتم هير تقريره بالقول إنه مع ذلك، يميل العديد من الخبراء الاستراتيجيين في كل من اليابان والولايات المتحدة إلى الرأي القائل بأن توحيد تايوان مع جمهورية الصين الشعبية - حتى لو حدث بشكل سلمي - سوف يلحق ضررا بالمصالح الاستراتيجية للحلفاء. وتواجه تاكايشي الآن ضغوطًا للتصدى لهذا الرأي، وليس من الواضح إلى متى سيكون بأمكان طوكيو أو واشنطن تجاهله.