في مساء لا يشبه سواه، كان رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنوّرة الدكتور صالح بن علي العقلا يقف أمام الطائرة، ينتظر أبناءه الفائزين ليحتفي بهم بنفسه، لا عبر بيان ولا عبر ممثلين، حيث فاز فريق الهندسة في الجامعة ذاتها بالمركز الاول في مسار (الأتمتة) ضمن هاكاثون الصناعة! وقف الدكتور العقلا هناك في مواجهة الريح، بثوبه الأبيض ولطفه النبيل، يبتسم وهو يمدّ يده لكلّ طالب نزل من السلم، كأنّه يقول لهم: أنتم فخر الجامعة.. وسبب وجودها. لم يكن ذلك مشهداً مألوفاً في حياة المؤسسات، ولا من طقوس المسؤولين الكبار، لكنه كان مشهداً يستحق أن يُروى. أن يذهب رئيس الجامعة إلى المطار أمرٌ جميل، لكن أن يقف أمام الطائرة نفسها، متخلياً عن الرسميات، فذلك فعلٌ يختصر معنى القيادة في أبهى صورها: القرب، والاعتراف، والإنسانية. من يعرف الدكتور صالح العقلا، يدرك أن هذا السلوك امتدادٌ لطبيعته، لا استثناء. فالرجل القادم من خلفية أكاديمية عميقة، حاصل على درجة الدكتوراه في المحاسبة والتمويل من جامعة بريطانية، ويحمل شهادة المحلّل المالي المعتمد (CFA)، لا يرى في المنصب غاية، بل وسيلة لصناعة أثر أوسع. منذ تولّيه رئاسة الجامعة، وهو يضع الطالب في قلب القرار، والمؤسسة في قلب المجتمع، والجامعة في قلب العالم. ذلك المشهد أمام الطائرة لم يكن مجرّد استقبال، بل كان درساً صامتاً في فن القيادة.. أن يكون الرئيس أول من يفرح، وأول من يصفّق، وأول من يمدّ يده. أن يُظهر لأبنائه أن إنجازهم لا يُقاس بعدد الجوائز، بل بقدر ما أضافوه لصورة وطنهم وجامعتهم. لقد قدّم الدكتور العقلا درساً نادراً في التواضع المؤسسي. فالقيادة عنده ليست جلوساً على المنصة، بل وقوفٌ بين الناس. وليست إدارة من وراء الزجاج، بل مشاركة في الميدان. وهي الفلسفة ذاتها التي انعكست على نهجه في تطوير الجامعة.. فتح أبوابها للشراكات الدولية، وإعادة تموضعها في مسار البحث والاعتدال والوسطية، بما يتسق مع رؤية المملكة 2030. كان المشهد أمام الطائرة أكبر من لحظة احتفاء. كان صورةً رمزية لجامعة تعود إلى جوهرها الإنساني، حين يلتقي فيها العلم بالتواضع، والفكر بالفعل، والرئيس بأبنائه. وبينما كانت عدسات الهواتف تلتقط تلك اللحظات، كان المشهد يُكتب في ذاكرة المدينة المنوّرة، رئيس يقف تحت قمرها، يرحّب بطلابه قبل أن يصلوا إليه، ويعلّمهم أن أعظم الدروس لا تُلقى في القاعات، بل تُعاش في المواقف. هكذا بدا الدكتور صالح العقلا في لحظة تفيض دفئاً ومعنى، لا رئيساً لجامعة فحسب، بل قائداً تربوياً يذكّرنا بأن الكبار هم الذين لا يتعالون على التفاصيل، لأنهم يدركون أن العظمة الحقيقية تبدأ من هناك: من أمام الطائرة!