حققت شركات القطاع الخاص غير النفطي في السعودية خلال شهر أكتوبر الماضي ثاني أقوى معدل نمو منذ 11 عامًا، مدفوعًا باستمرار زخم الطلب المتزايد والأعمال الجديدة، مع تسارع نشاط التوظيف بأسرع وتيرة في نحو 16 عامًا، الأمر الذي يعزز مسار نمو اقتصاد المملكة في الربع الأخير من العام الجاري. تمكنت المملكة من خفض اعتماد اقتصادها المباشر وغير المباشر على إيرادات مبيعات النفط من أكثر من 90 % إلى نسبة وصلت إلى 68 % حاليًا، وأصبحت الأنشطة غير النفطية تمثل الآن 56 % من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، وهي نسبة تفوق الأنشطة النفطية والحكومية مجتمعة، وفقًا لوزير الاقتصاد السعودي فيصل الإبراهيم. وأظهرت قراءة مؤشر مديري المشتريات الصادر عن بنك الرياض، ارتفاع المؤشر من 57.8 نقطة في سبتمبر الماضي إلى 60.2 نقطة في أكتوبر مسجلًا بذلك ثاني أعلى مستوى منذ شهر سبتمبر لعام 2014. وعزا تقرير مؤشر مديري المشتريات هذه الارتفاع إلى قوة الطلبات الجديدة التي شكلت المحرك الأساسي للنشاط، إذ أفادت نحو نصف الشركات المشمولة في الدراسة بارتفاع المبيعات بفضل تحسن الأوضاع الاقتصادية وارتفاع أعداد العملاء وزيادة الاستثمار الأجنبي. وأشار فقط 4 % من هذه الشركات إلى تراجع الطلب. ودفعت زيادة الأعمال الشركات إلى تعزيز الإنتاج والتوظيف الذي بلغ أعلى وتيرة نمو منذ 2009. وارتفع حجم المشتريات والمخزون لمواكبة المشاريع القادمة، وسط تحسن في سلاسل الإمداد وانخفاض في مواعيد تسليم الموردين بما يعكس قوة العلاقات التجارية مع الموردين. ويتوقع وزير الاقتصاد أن يبلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للمملكة 5.1 % بنهاية العام الحالي 2025 مدعوما بأداء القطاع غير النفطي الذي من المتوقع أن ينمو بنسبة 3.8 % هذا العام، في ظل تسارع جهود المملكة لتنويع اقتصادها وتقليل اعتماده على النفط. وقال الإبراهيم: "علينا إدراك أننا نسير في رحلة إعادة هيكلة طويلة الأمد، ونعطي أولوية لتنويع اقتصادنا بعيدًا عن الاعتماد على النفط ليصبح اقتصادًا أكثر متانة ويشهد نموا مستداما مدفوعا بالإنتاجية وليس فقط بالموارد الطبيعية". وبالعودة إلى مؤشر مديري المشتريات، فقد أشار إلى أنه على الرغم من هذا النمو إلا أن الضغوط على تكاليف مستلزمات الإنتاج تسارعت في شهر أكتوبر، ما دفع الشركات إلى رفع أسعار إنتاجها بأكبر معدل في أكثر من عامين. وجاء هذا الارتفاع في معدل تضخم تكاليف مستلزمات الإنتاج مدفوعًا جزئيًا بزيادة حادة في تكاليف الأجور، وسط تقارير عن مراجعة الرواتب ودفع مكافآت، كما أشارت الشركات أيضا إلى ارتفاع أسعار الشراء المرتبطة بارتفاع تكاليف المواد الخام المستوردة. ويقول الخبير الاقتصادي الأول في بنك الرياض نايف الغيث، إن القطاع الخاص غير المنتج للنفط في المملكة سجل تحسنًا ملحوظًا في ظروف الأعمال التجارية خلال شهر أكتوبر، ليسجل مؤشر مديري المشتريات واحدة من أقوى القراءات منذ أكثر من عشر سنوات. وأضاف أن هذا التسارع يعزى إلى زيادات كبيرة في الإنتاج والطلبات الجديدة والتوظيف، مما يعكس زخمًا مستدامًا في الطلب واستمرارًا لقوة الاقتصاد غير المنتج للنفط. وتشير أحدث نتائج دراسة مؤشر مديري المشتريات إلى بداية قوية للربع الأخير من العام الحالي، مدعومة بالطلب المحلي والخارجي. وشهد نمو الأعمال الجديدة تحسنًا للشهر الثالث على التوالي، حيث أفاد ما يقرب من نصف الشركات التي شملتها الدراسة بارتفاع مبيعاتها، نتيجة لتحسن الظروف الاقتصادية المواتية، واتساع قاعدة العملاء، وارتفاع مستويات الاستثمار الأجنبي، لاسيما من أسواق دول مجلس التعاون الخليجي وأفريقيا. ويسلط الارتفاع المستمر في طلبات التصدير الضوء على تزايد القدرة التنافسية للشركات السعودية والتقدم المحرز في إطار جهود التنويع الاقتصادي الجارية. وشجع ارتفاع الطلب الشركات على توسيع إنتاجها وزيادة طاقتها العاملة بأسرع وتيرة منذ عام 2009، حيث عززت الشركات قدرتها على تلبية أعباء العمل الجديدة، كما ازداد نشاط الشراء والمخزونات، واستمر تحسن مواعيد تسليم الموردين، مما يعكس كفاءة التنسيق ومرونة سالسل التوريد. ويوضح الغيث أن الشركات غير المنتجة للنفط لا تزال واثقة في مستقبل النمو، بفضل الطلب المحلي القوي وزخم المشاريع الجارية، وعلى الرغم من استمرار بعض المخاوف بشأن التكاليف والمنافسة، إلا أن المعنويات العامة ما تزال إيجابية للغاية. مبيعات نقاط البيع من جهة أخرى، تراجعت مبيعات نقاط البيع بالسعودية إلى 12 مليار ريال الأسبوع الماضي مقارنة بنحو 13.4 مليار ريال خلال الأسبوع الذي سبقه. ووفقًا للتقرير الأسبوعي لعمليات نقاط البيع، الصادر عن البنك المركزي السعودي (ساما)، فقد انخفض عدد العمليات المنفذة إلى نحو 222.7 مليون عملية، مقارنة بنحو 237.2 مليون عملية. تمثل العمليات عبر نقاط البيع ما ينفقه المستهلكون عبر بطاقات الصراف وبطاقات الائتمان في مراكز التسوق الكبيرة، ومحلات التجزئة، والصيدليات، وغيرها. وحسب القطاعات، تركز إنفاق المستهلكين خلال الأسبوع الماضي، على قطاع الأطعمة والمشروبات بنسبة 15.7% وبقيمة 1.92 مليار ريال، وقطاع المطاعم والمقاهي بنسبة 12.5% وبقيمة 1.52 مليار ريال. فيما يخص توزيع إنفاق المستهلكين حسب المدن، فقد تصدرت الرياض بنحو 4.39 مليار ريال، ما يمثل 35.9 % من إجمالي قيمة المبيعات، تلتها مدينة جدة ب 1.69 مليار ريال وبنسبة 13.9 %. إلى ذلك انخفضت الأصول الاحتياطية السعودية في الخارج 1 % في سبتمبر وبنحو 23 مليار ريال على أساس شهري، لتصل إلى 1.7 تريليون ريال، وفقًا لبيانات البنك المركزي السعودي (ساما). تشمل الأصول الاحتياطية للسعودية أربعة بنود: الاحتياطات بالعملات الأجنبية (استثمارات في أوراق مالية في الخارج ونقد أجنبي وودائع في الخارج)، والاحتياطي لدى صندوق النقد الدولي، وحقوق السحب الخاصة، والذهب النقدي. وتراجعت قيمة الاحتياطات بالعملات الأجنبية التي تمثل نحو 94 % من إجمالي الأصول بنحو 2 % خلال سبتمبر 2025 على أساس سنوي، لتصل إلى 1.6 تريليون ريال. في المقابل، ارتفعت قيمة الاحتياطي لدى صندوق النقد الدولي بنسبة 3 % لتصل إلى 13 مليار ريال، كما زادت حقوق السحب الخاصة خلال الفترة بنسبة 2 % لتبلغ 81.1 مليار ريال. في حين استقر رصيد الاحتياطي لدى السعودية من الذهب عند 1.62 مليار ريال، وهو المستوى نفسه الذي يحافظ عليه منذ سبتمبر 2008. في غضون ذلك، سجلت مشتريات الأجانب في السوق السعودية رقمًا قياسيًا في سبتمبر بعد أن بلغت مشترياتهم نحو 40 % من إجمالي المشتريات. يعكس هذه الرقم تنامي اهتمام المستثمرين الأجانب بالأسهم السعودية، وسط جهود مستمرة لإصلاح قواعد الملكية في الشركات المدرجة، بحسب "بلومبرغ إنتليجنس".