«أنا الذي نظَرَ الأعمى إلى أدبي وأسمعت كلماتي من به صَمَمُ» هكذا افتَتَحَ المتنبي اعترافه بنفسه، لا من باب العُجب، بل من باب اليقين بقيمتها. فمن منّا اليوم يقف هذا الوقوف؟ من منّا يمتلك الشجاعة أن يُعرّف نفسه دون خجل؟ نحن في زمنٍ تغدو فيه الهُوية ميدانَ منافسةٍ صامتة؛ نقيس أنفسنا بما نراه عند غيرنا، فننسى ما أودعه الله فينا! ولعله لم يكن يتخيّل زمنًا يصبح فيه «سؤال الهُوية» مُعلّقًا في خيط رفيع بين زرّ إعجاب، وصورة مُعدّة بعناية. زمنٌ تُقاس فيه القيمة بعدد المتابعين لا بعمق الفكرة، وتُقارن فيه الحياة بمعايير مُتخيّلة لأشخاص نراهم ولا نعرفهم. «من أنت؟» سؤال يبدو بسيطًا، لكنّه أثقل مما نظن. نُجيب عليه أحيانًا بعمَلنا، وعِلمِنا، وأحيانًا بمنصبٍ أو دورٍ اجتماعي.. ولا نتحدّث عن ما هيّتنا! عمّن نحن فعلًا؟ عن طِباعنا وانطباعنا، عن اختلافنا وائتلافنا. وفي لحظة صادقة، نكتشف أن تعريف النفس لا يصنعه الآخرون، ولا يُقيَّم في العلن؛ بل يُولد في لحظات الخلوة، في الأسئلة التي لا يسمعها سوانا: ما جِئتُ أُزاحِمُ في المضاميرِ أقرانْ أنا اختلافُ الدربِ لا يُشابهني إنسانْ فمَن ذا يقولُ.. إنَّ التبايُنَ نُقصانٌ؟ ولِكُلِّ سَيرٍ في الدُروبِ عاقبةٌ ورِبحانْ! فما قيمة الحياة إن عشناها نُسخًا متشابهة؟ وما الفائدة من مواكبة العالم إن فقدنا ذواتنا في الطريق؟ الاختلافُ هِبة، والتبايُن نعمة، والمكان الذي خلقه الله لك لن يملأه أحدٌ سواك، فكُن أنت.. كمَا أنت.