اتخذ التضخم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مساراً هبوطياً خلال العام 2025. وأشار صندوق النقد الدولي، في أحدث تقاريره الصادرة بعنوان آفاق الاقتصاد الإقليمي، إلى توقعاته بتراجع معدلات التضخم في معظم دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال العام 2025، بدعم من الانخفاض المتوقع لأسعار الطاقة واتباع سياسات مالية أكثر تقييداً. وعلى النقيض من ذلك، لفت الصندوق إلى إمكانية استمرار مواجهة الاقتصادات المتقدمة الرئيسة لضغوط تضخمية، ما قد يسهم في رفع تكاليف الاقتراض عالمياً. بالإضافة إلى ذلك، أسهمت بعض العوامل الأخرى في تعزيز تراجع التضخم في الدول الخليجية ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بصفة عامة، ومن بينها إعفاء واردات النفط الأميركية من الرسوم الجمركية، وتسارع وتيرة الاستهلاك والاستثمار قبل الزيادات المتوقعة في الرسوم في بعض الدول، إضافة إلى تحويل مسارات التجارة عبر دول وسيطة. ووفقاً ل "بلومبيرج وبحوث كامكو إنفست وصندوق النقد الدولي" يتوقع الصندوق أن يظل التضخم في الدول الخليجية مستقراً، عند المستوى المستهدف البالغ 2 في المئة، أو أقل منه قليلاً، خلال عامي 2025 و2026. وبالمثل، أكد الصندوق في توقعاته الخاصة بدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المستوردة للنفط استمرار انخفاض التضخم في عدد من الدول، مثل الأردن، في حين يتوقع أن يتراجع التضخم في دول أخرى، كالمغرب ومصر، من مستوياته التاريخية المرتفعة مع انحسار آثار تراجع العملات المحلية وارتفاع أسعار الطاقة في السنوات السابقة. وعلى وجه التحديد، يتوقع أن يرتفع معدل التضخم في الدول الخليجية هامشياً من 0.6 في المئة في العام 2024 إلى 1.7 في المئة في العام 2025، ثم إلى 2 في المئة في العام 2026، مع بقائه دون مستوى 2 في المئة المستهدف من قبل البنوك المركزية طوال فترة التوقعات. أما على الصعيد العالمي، فقد تؤدي الرسوم الجمركية المرتفعة إلى دفع البنوك المركزية نحو تبني سياسات نقدية أكثر تشدداً وتقييداً، ما قد ينعكس بارتفاع تكاليف التمويل على اقتصادات المنطقة. وقد يسهم ذلك بشكل غير مباشر في زيادة الضغوط التضخمية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بما يعاكس الاتجاهات الانكماشية الحالية. وعلى الرغم من تصاعد حدة الاضطرابات الجيوسياسية وتعطل سلاسل التجارة العالمية على خلفية الرسوم الجمركية الأميركية بصفة رئيسة، إلا أن معدلات التضخم في الدول الخليجية نجحت في الحفاظ على استقرارها خلال الربع الثالث من العام 2025. وعلى الرغم من ذلك، قد يؤدي عودة التضخم للارتفاع مرة أخرى في الاقتصادات المتقدمة الكبرى إلى دفع البنوك المركزية إلى إبطاء وتيرة التيسير النقدي وتغيير مسار سياساتها النقدية بهدف كبح جماح التضخم المحلي، الأمر الذي قد ينعكس أيضاً على توجهات البنوك المركزية في الدول الخليجية والشرق الأوسط وشمال إفريقيا بشكل عام. في ذات الوقت، تم تعديل مستويات إنتاج دول الأوبك وحلفائها من النفط ورفعها خلال الربع الثالث من العام 2025. إذ ارتفع إنتاج الدول الخليجية بنحو 968 ألف برميل يومياً خلال الفترة من فبراير إلى يونيو 2025، ثم تمت إضافة 158 ألف برميل يومياً بين يونيو وأغسطس 2025. وبشكل إجمالي، رفعت الأوبك وحلفاؤها مستهدفات الإنتاج بنحو 2.9 مليون برميل يومياً منذ أبريل 2025. ومن المتوقع أن يؤثر هذا التوسع في الإمدادات النفطية على أداء التضخم سواء داخل الدول الخليجية أو على المستوى العالمي، حيث إن زيادة إنتاج النفط تساهم في الضغط على الأسعار بما يؤدي إلى تراجعها، ما ينعكس على خفض مجموعة متنوعة من التكاليف، بما في ذلك النقل والكهرباء. أسعار المواد الغذائية العالمية تراجعت أسعار الغذاء العالمية بوتيرة معتدلة في سبتمبر 2025، مدفوعة بصفة رئيسة بانخفاض أسعار منتجات الألبان والسكر. ووفقاً لمؤشر منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) ارتفعت الأسعار العالمية للغذاء بنسبة 3.4 في المئة على أساس سنوي خلال شهر سبتمبر 2025، إلا أن المؤشر ما يزال أقل بنسبة 19.6 في المئة مقارنة بمستوى الذروة المسجل في مارس 2022. وجاء هذا الانخفاض نتيجة تراجع مؤشرات الحبوب ومنتجات الألبان والسكر والزيوت النباتية، والتي فاقت في مجملها الارتفاع الذي سجله مؤشر اللحوم. وبلغ متوسط مؤشر الفاو لأسعار الحبوب 105.0 نقطة في سبتمبر 2025، بتراجع بلغت نسبته 7.5 في المائة على أساس سنوي، على خلفية انخفاض الأسعار العالمية للقمح للشهر الثالث على التوالي، نتيجة ضعف الطلب الخارجي وتأكيد وفرة المحاصيل في روسيا وعدد من الدول الأوروبية وأميركا الشمالية. وبالمثل، بلغ متوسط مؤشر الفاو لأسعار السكر 99.4 نقطة، مسجلاً تراجعاً بنسبة 4.1 في المئة على أساس شهري في سبتمبر 2025، وبنسبة 21.3 في المائة على أساس سنوي. وجاء هذا الانخفاض نتيجة ارتفاع الإنتاج الفعلي للسكر في البرازيل بمعدل أعلى من المتوقع، مدفوعاً بزيادة كميات القصب المعصورة وتخصيص نسبة أكبر من محصول القصب لإنتاج السكر في مناطق الزراعة الرئيسة جنوب البلاد. كما أسهمت التوقعات الإيجابية لمواسم الحصاد في الهند وتايلند، نتيجة وفرة الأمطار الموسمية، في تعرض الأسعار للمزيد من الضغوط التي أدت إلى تراجعها. وعلى النقيض من ذلك، بلغ متوسط مؤشر الفاو لأسعار اللحوم 127.8 نقطة خلال سبتمبر 2025، مسجلاً نمواً بنسبة 6.6 في المائة على أساس سنوي و0.7 في المئة على أساس شهري. وجاء هذا الارتفاع مدفوعاً بزيادة أسعار لحوم الأبقار والأغنام عالمياً. كما شهد معدل التضخم في السعودية ارتفاعا بنسبة 2.2 في المائة على أساس سنوي في سبتمبر 2025، وفقاً للبيانات الصدارة عن الهيئة العامة للإحصاء. وعلى أساس شهري، سجل مؤشر أسعار المستهلكين انخفاضاً هامشياً بنسبة 0.1 في المئة خلال شهر سبتمبر مقارنة بأغسطس 2025. وسجلت مجموعة السلع والخدمات الشخصية أعلى معدل نمو سنوي في سبتمبر بنسبة 7.7 في المائة، وتبعه مجموعة الإسكان والمياه والكهرباء والغاز بنسبة 5.2 في المئة، ثم مجموعة الترفيه والثقافة بنمو قدره 2.7 في المئة خلال الشهر، على خلفية ارتفاع إيجارات المساكن الأساسية بنسبة 6.7 في المئة. أما مجموعة الأغذية والمشروبات، فقد سجلت نمواً سنوياً بنسبة 1.1 في المئة خلال سبتمبر 2025، مدفوعة بارتفاع أسعار اللحوم الطازجة أو المبردة أو المجمدة بنسبة 0.6 في المئة. في المقابل، شهدت فئتان من أصل 12 فئة ضمن سلة مؤشر أسعار المستهلكين السعودي تراجعاً على أساس شهري، أبرزها مؤشر قطاع النقل الذي انخفض بنسبة 0.4 في المئة نتيجة تراجع تكاليف نقل الركاب خلال سبتمبر 2025. في حين ارتفعت أسعار مجموعة الإسكان والمياه والكهرباء والغاز والوقود الأخرى بنسبة 0.4 في المئة على أساس شهري، وكذلك مجموعة الأغذية والمشروبات بنسبة 0.1 في المئة.