إن المعارف الشعبية في ثقافة الصيد يجب أن تدون وأن تحفظ كإرث وتراث عربي وسعودي أيضًا، حتى وإن حُظر الصيد مؤخرًا وأصبحت المجمعات الحيوانية محميات، إلا أن لدينا تراثًا يجب أن نوثقه ونحفظه، فهو ميراث له قوانينه العربية الخاصة به.. إن العربي يهوى الصيد بالفطرة وليس كما وصفه بعض الباحثين أنه يلجأ إلى الصيد نتيجة الفاقة والفقر. كما أنه مرتبط بفطرة فُطر عليها الإنسان وهي غريزة الانتصار، ولذا قد نرى عليَّة القوم يخرجون إلى الصيد لإحساسهم بتلك المتعة الفطرية التي هي غريزة الانتصار سواء في بلادنا أو حتى في البلاد الأجنبية، حيث يخرج الأباطرة والفرسان إلى رحلات الصيد الماتعة تحقيقا لتلك الفلسفة النفسية التي فطر عليها الإنسان نفسة. كما أن الله قد حبانا ثروة حيوانية هائلة، ومن الإنتاج الزراعي الذي يكفى أوده. وبهذا نرد على أحد الباحثين حين يقول في مقال له عن ثقافة الصيد لدى العربي: "عُرف العرب في جاهليتهم بالفقر والإملاق، وذلك نتيجة لبداوة وطبيعة الترحال، وللقضاء على هذه الحالة، توجهوا للبحث في الطبيعة عما يسد جوعهم، فلاحقوا الضواري ووحوش الصحراء، ومن هنا عرفوا الصيد كحاجة طبيعية لتوفير قوتهم". إن المعارف الشعبية في ثقافة الصيد يجب أن تدون وأن تحفظ كإرث وتراث عربي وسعودي أيضا، حتى وإن حُظر الصيد مؤخرا وأصبحت المجمعات الحيوانية محميات إلا أن لدينا تراثا يجب أن نوثقه ونحفظه، فهو ميراث له قوانينه العربية الخاصة به، فالعربي يتمتع بفطرة كبيرة، والإنسان على وجه العموم، فُطر على غريزة الانتصار، وهذه غريزة إنسانية عامة كما أسلفنا، وهذا ما ترسخ في وجدان الشخصية العربية لأنها شغوفة بحب الانتصار، نتاج ما تتركه الطبيعة بخصائصها من حذر وترقب ووحشة في نفسه ولكي يثبت لنفسه أنه فارس الصحراء وسيدها، كما أن الإنسان الأول نشأ على الصيد ونمت فيه هذه الغريزة، وهذا ما أكدته تلك النقوش الكهفية للحياة البدائية. وقد تنوعت أساليب الصيد عند العرب بين قنص وشراك وطرد، كما أن هناك الصيد بالبيزرة وهي: "فن تربية الجوارح وتدريبها على الصيد"، وهذا كله خلق تعدداً في وسائل الصيد العرب، وارتبط بشكل مباشر بتعدد طبائع الحيوانات، فمنها ما يصطاد بالأشراك المستورة، ومنها ما يُرمى بالسهام والبنادق، ومنها ما يؤخذ بالحفائر، ومنها ما يصطاد بالغناء والصفير، وهناك حيوانات يُقتحم عليها وكرها، ومنها ما يُصطاد بالنار ومنها ما يُقتنص بالجوارح والبازي ومنها ما يُصطاد بالضواري كالفهد، ومن أشهر هذه الضواري النمر العربي المتواجد في جبال عسير وكذلك فصيلة الضباع. وما يتقيه العربي سواء بدوي أم حضري على حد سواء، هو الخوف من السباع والضباع فهي تظهر بكثرة ولا سيما في جنوب غرب المملكة حيث تظهر السباع، والضباع، والأسود، والفهود، ولاسيما أسود وادي بيش. كما أنهم يعتقدون أن الضباع تنبش القبور، إذ يتحتم أن يحكم إغلاق القبور وعمقها في باطن الأرض، خوفاً على الموتى من نباش القبور وهو الضبع. وللصيد أحكام وأعراف يتبعها العربي كأعراف لا يحيد عنها، فيعتبرها من قوانين شرف ابن الصحراء وسيدها. وقد استحسنها أبو جعفر المنصور وقال عنها: "الناس مولعون بالصيد ومُتعته ولذاته، ويلتزمون بآدابه ويرسون قواعده، وكم أتمنى لو أراهم يلتزمون بآداب الحياة كالتزامهم بآداب الصيد". ومن قوانين وشرف الصيد: 1- أن يصيد العربي الحيوانات التي تأتيه نتيجة جوع أو عطش أو حدة البرد. 2- أن يحصل الصياد على فريسته بالمطاردة والجهد. 3- أن يتم بطريقة المطاردة والمنازلة والظفر بعد الطلب والجهد. 5- لا يصطاد الصياد صيداً عافه آخر أو عجز عن صيده. 6- يجب مشاركة الآخرين فيما اصطادوه. 7- أن يختار الصياد الأيام الصحو لكي لا يغدر بالصيد في وكره. 8- ألا يعذب الصياد صيده فيسرع بإذكائها بسلاح حاد، والإحسان إليها إذا ما أبقاها حية. 9- أن يتجنب أماكن الزرع والثمر. 10- إذا ما ركض الصيد أمام صائدَيْن في وجهة واحدة، كان الحق لكل منهما في تسديد الرمية إليه. 11- إذا ما انحرف الصيد باتجاه أيٍّ منهما ولو بشبر واحد كان هو صاحب الحق في تسديد رميته وكان الأحق بها. 12- إذا ما سدد جماعة من الرماة سهامهم إلى فريسة ما، كان الحق لصاحب الرمية الأولى. 13- إذا كان هناك قطيع أمام جماعة من الصائدين لزم الأمر أن يرمي كل صائد رميته على الفريسة التي هي في وجهته. 14- لا يرمي الصائدون على صيد خلف جدار أو مانع. 15- يُمنع الصيد عليهم في الأماكن التي بها سكنى. 16- ألا يمحق زرعاً ولا ثمراً. 17- لا يطلق الصائد سهامه أو سلاحه على فريسة واقفة أو نائمة. 18- لا يصطاد الصائد فريسة مصابة. 19- لا يصطاد الصائد حيواناً يلد أو طائراً يبيض أو راقداً على بيضه. وبهذا تتضح سمات الشخصية العربية ومدى فروسيتها واحترامها لشرف الميثاق العربي غير المبرم لثقافة المعارف الشعبية في الصيد. فإذا ما رأينا قوانين حقوق الحيوان بجمعياته ومواثيقه، فسنجد أن قانون شرف الصحراء يفوق تلك القوانين، وقد اتجهت الحكومة إلى إنشاء المحميات ومنع الصيد في عصرنا الحاضر حرصاً على جمال الطبيعة وحفاظاً على نوعيات نادرة من الانقراض.. وقد اعتاد العربي أن يحصل على غذائه من معطيات الطبيعة، التي لا تهديها إليه إهداءً! وإنما يأخذها قسراً وغلاباً، ومن عِدَّته كما ذكرنا (الكلب السلوقي أو الصقور أو النمور المدربة على الصيد). وعادة ما يكون الصيد بعد هطول الأمطار، حيث أنه يتعذر على الصيد أن يعدو بكل قوته، ومن هنا يسهل اصطياده، سواء أكان بالكلب أو الصقر، وللصقور أيضاً شأن آخر في حياة العربي بشكل عام، وفى الصيد بشكل خاص، حيث إنه يطلقه في الفضاء فيهوي على فريسته وينقض عليها تاركاً إيّاها بين يدي الصياد، الذي أخذت عيونه تراقب صيده من مدى بعيد. ويتعدّد الصيد البري في أنواعه وفصائله، كما نجده في الغزلان بأنواعها، مثل الظباء والوعول والمها.. إلخ، وأيضاً نجد الأرانب البرية بجميع أنواعها. والآن المملكة تزخر بالعديد من المحميات الطبيعية التي يمنع فيها الصيد حفاظا على جمال هذه الطبيعة -التي لا يتسع المقال لذكرها-، وعلى العديد من الحيوانات نادرة الوجود من الانقراض.