يمكن لنا أن نصل لنتيجة مفادها أن الذكاء الاصطناعي تميز بفضل اختباراتنا. مثل أستاذ الجامعة الذي يصمم امتحانا لينجح طلابه كلهم بامتياز. تضاءل الامتياز الذي حققه الذكاء الاصطناعي عندما اختبرت إنتاجيته لا معرفته، فحقق نتائج متوسطة. لكن مع النقلة الجديدة إلى قياس الإنتاجية مازلنا نقع في خطأ قياس ما نستطيع لا ما نحتاج. بلغنا اليوم مرحلة قياس القيمة الاقتصادية، حيث يقيس مؤشر إنتاجية الذكاء الاصطناعي العوائد لا المعرفة. إنه انتقال من قياس نسبة الذكاء إلى العائد على الاستثمار، فلم يعد الذكاء الاصطناعي طالبا في صفوف الدراسة، إنما عامل عليه أن ينتج ويبرر تكلفته على مؤسسته. لكن هل توجد مرحلة أخرى ما بعد قياس الإنتاجية يجب أن نعتني بها؟ تبدو المؤشرات الاقتصادية ملموسة وهي تحاكي أعمال المحامين والأطباء والمستشارين. يكفي أننا الآن نصنع أسواقا افتراضية صغيرة لنقيس أداء النماذج كأنها شركات تتنافس على الربح. لكن مع الانتقال من المعرفة إلى الإنتاجية هل بسطنا الواقع أكثر مما يجب، مغفلين تقديرات الثقة بناء على السياق التاريخي والتقديرات الأخلاقية في الحكم على الأشياء؟ المفارقة أن التحول إلى الإنتاجية يقربنا من الواقع لكنه يختزله رقميا. توجد فجوة كبيرة، حيث تكافأ النماذج لقدرتها على الإبهار: اجتياز امتحانات القانون لإثبات الكفاءة، ثم عند الممارسة تحت ضغط الطلب تختلق مراجع غير موجودة لتكسب معدلات أعلى من التفاعل لتنتهي بأخطاء تخسر بها ثقة الجمهور. إذا ركزنا على الإنتاج الحقيقي، علينا أن نعلي من قيمة الفهم والتأويل مقابل السرعة، إنها مسألة الكيف مقابل الكم من جديد. على النموذج أن يفكر في السؤال الصحيح قبل الإجابة، وأن يراجع نفسه مرارا قبل أن يصل للقرار النهائي، كل ذلك لا يؤخذ في الاعتبار لأن الإنتاجية تضغط في اتجاه السرعة، وتعتبر التردد والمراجعة من مظاهر الضعف البشري. مستقبلا، على التقييم أن يكون ديناميكيا أكثر. على النماذج أن تختبر في بيئة محاكاة تضعها أمام تحدي المهام المتنافسة، في بيئة تتضارب فيها البيانات، وتأخذ معطياتها من الشراكة البشرية بكل تعقيداتها الاجتماعية والنفسية. هذا ما تقوم به مثلا جامعة ستانفورد في مؤشرها الذي يعتبر التقويم عملية مستمرة، في ظروف غير مثالية من الغموض والشك ونقص المعلومات. إضافة لخلق بيئة للتقويم، دعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى توسيع دائرة من يعرّفون القيمة، من فلاسفة وعلماء اجتماع وخبراء ميدانيين. كل ذلك للوصول إلى مقاييس متوازنة تضمن نهجا تشاركيا لتحقيق العدالة وقابلية تفسير القرارات والقدرة على كسب ثقة المجتمع. لقد أثبتت النماذج سرعتها بما يكفي، وحان الآن الوقت لتتواءم مع صعوباتنا التي منها تحدياتنا مع أنفسنا. ولا بأس أن نصعد السلم خطوة خطوة، لكن يجب أن نتذكر أن ما يميزنا هو الخطأ وقدرتنا على التعلم منه.