شهدت المملكة العربية السعودية تحولًا جذريًا في جهود مكافحة الفساد، إذ أصبحت الشفافية والنزاهة من القيم الأساسية التي تقوم عليها مؤسسات الدولة. ومنذ تولي خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- مقاليد الحكم، وبإشراف مباشر من ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان -أيده الله- انطلقت حملة شاملة لمواجهة الفساد بجميع أشكاله، المالي والإداري، تجاوزت مجرد إعادة هيكلة هيئة مكافحة الفساد إلى تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية صون المال العام واحترامه. أثمرت هذه الجهود عن إنجازات ملموسة، تمثّلت في الإطاحة برموز الفساد، وإصدار أحكام رادعة بحق المتورطين، ومع هذه الإجراءات الصارمة، أصبح الالتزام بالأنظمة والضوابط واجبًا وطنيًا لا خيارًا، في إطار رؤية المملكة التي تسعى لترسيخ قيم العدالة والنزاهة. وفي ظل هذا التحول، تبرز ظاهرة «الهياط الفاسد» كشكلٍ من أشكال التبذير والإسراف المفرط الذي لا يخدم سوى التفاخر الزائف. ويتجلى هذا السلوك في المبالغة غير المبررة في إظهار الثروة أو الإنجازات الوهمية، خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومن أمثلته إقامة مناسبات وولائم ضخمة بلا مبرر، أو التفاخر بإنفاق مبالغ طائلة على مظاهر لا قيمة لها، هذه السلوكيات ليست مجرد عادات اجتماعية، بل استنزاف للنعم، وإساءة لها، وتبذير يهدد زوالها. ومن هنا تأتي الحاجة المُلحّة لإنشاء جهات أو دوائر مختصة لمكافحة هذا النوع من الفساد الاجتماعي، الذي يسيء لصورة الوعي الجمعي، ويُضعف قيم المسؤولية والاعتدال. لم يعد التبذير والتفاخر يتماشيان مع روح العصر الجديد الذي يدعو إلى الانضباط والعقلانية، فقد أصبح ذبح أعداد كبيرة من الماشية بلا حاجة، أو إقامة حفلات باهظة لمجرد التباهي، سلوكًا مرفوضًا يتعارض مع القيم الحقيقية للمجتمع، ومع التوجه الوطني نحو التنمية واستثمار الموارد بحكمة. وخلاصة القول: النِّعم التي نعيشها اليوم هي بفضل الله، ثم بفضل القيادة الحكيمة التي تسعى لتوفير حياة كريمة للمواطنين، لذا فإن الفرص التي تقدمها الدولة، سواء على شكل قروض اجتماعية أو برامج دعم أو غيرها، ليست من أجل التفاخر أو الإسراف، بل وسيلة للاستثمار في بناء مستقبل مزدهر يخدم الفرد والمجتمع. لقد آن الأوان للعودة إلى قيم الشكر والامتنان، ونبذ مظاهر «الهياط» والتبذير والعبث التي لا تورث إلا الضرر على المستوى الشخصي والمجتمعي، فمكافحة الفساد، بكل أشكاله -ومنها «الهياط الفاسد»- ليست مسؤولية الحكومة وحدها، بل مسؤولية جماعية تستلزم وعيًا شعبيًا وموقفًا مجتمعيًا حازمًا. لقد حان زمن نبذ الهياط، وحان وقت البناء والعمل، وعلى الجميع أن يكونوا جزءًا من هذا التغيير لبناء مستقبل أكثر وعيًا ورقيًا.