لسنوات كنا نقيس تقدم الذكاء الاصطناعي معياريا، وكنا نسمع كل مرة كيف حطم النموذج الجديد الأرقام القياسية لمؤشر ما. اشتهر مؤشر الفهم اللغوي متعدّد المهام الذي عرف مثل اختبار القدرات (سات)، وكانت النتيجة العالية تعني أن النموذج يستدعي المعرفة وربما استدل قليلا. لكن هل أثبت أنه قادر على العمل حقا؟ لم يكن لهذا السؤال جواب حقيقي. انكشفت جودة المؤشر عندما تجاوزته النماذج المتقدمة بسهولة. فقد أصبح سهلا لمعظم النماذج الحديثة أن تثبت قدرتها لتلعب دور الخبير البشري، لكن سرعان ما اكتشفت المؤسسات بعد التطبيق العملي فجوات جعلتها تصل لنتيجة مهمة أن استدعاء الحقائق وحده لا يحقق القيم المضافة التي يبحثون عنها. قد يتقن النموذج مفهوم خصم التدفقات النقدية، لكنه يتعثر لو طلبت منه بناء نموذج مالي فعلي ولم تعطه بيانات كاملة. باختصار، يقيس المؤشر المعرفة، لا قدرته على خلق القيمة. نتج من ذلك أن بلغت المؤشرات طريقا مسدودا، فانصرف الجميع عن مؤشرات المعرفة لصالح المؤشرات الاقتصادية. لم يعد السؤال: ماذا يعرف الذكاء الاصطناعي؟ لكن: هل ينتج شيئا يساوي تكلفته؟ وبذلك برز مؤشر إنتاجية الذكاء الاصطناعي الذي كتبت عنه في مقالتي السابقة وأعلن عنه هذا العام، بوصفه المثال الأوضح على هذا الاتجاه. فهو يقيم النماذج على أساس مهام واقعية مستمدة من المهن: إعداد مذكرة قانونية، أو تقرير استشاري، أو تشخيص طبي، وكل ذلك تحت معايير دقيقة يضعها خبراء في المجال. النتيجة ليست مقياسا للذكاء الظاهري، بل مقياس الكفاءة العملية. ليس مؤشر الإنتاجية وحده في الساحة. فقد شرعت شركة الذكاء الاصطناعي المفتوح في خلق شركات في اقتصاديات افتراضية تشغل بالذكاء الاصطناعي، تقيس قدرتها بقدر إسهاماتها في ناتجها المحلي. أما مؤشر المنفعة الاقتصادية من (أنثروبك) فيحاول تسعير أداء النماذج بمقياس القيمة العمالية لمهام محددة. كما أن مختبرات أصغر بدأت تطوير مؤشرات العمل بالذكاء الاصطناعي تجمع بين الإنتاجية والتكلفة والموثوقية في مقياس واحد. القاسم المشترك بين هذه المشاريع هو واقعية جديدة، حيث لم يعد الذكاء وحده يجذب المستثمرين وصناع السياسات والمديرين التنفيذيين، بل المواءمة مع المؤشرات الاقتصادية. لكن هذا الاتجاه لا يخلو من مفارقات. فكلما اقتربنا من محاكاة الإنتاجية الاقتصادية، ازدادت مقاييسنا تشبها بالاقتصاد بكل تحيزاته. إذا كان الاقتصاد يعد عمل القانونيين منتجا مثلا، فهل يغفل عن إنتاج المهن الأخرى التي يتفاوت تمثيلها بين اقتصاد وآخر مثل الحرف اليدوية؟ مع كل هذه المفارقات، يظل التحول في ذاته مهما، فهذه المؤشرات تعمل مثل اليد الخفية التي تطور النماذج. لدينا اليوم أنظمة موسوعية أشبه ما تكون بحديثي التخرج خارقي الذكاء، وبمجرد دخولها السوق وصقلها في بيئة العمل، سنجد بيننا أنظمة مهنية ماهرة وذكية أيضا.