إن الإحساس بالتناسق الممتع هو الإحساس بالجمال؛ فهناك شيء يشكل ما أسميناه العامل الجمالي والإدراك، وهو استعداد في الإنسان للإحساس أن الهيئة الكاملة لحدث مخبور صحيحة ولائقة، فالوجدانيات التي ترتبط باستعداد طبيعي للاستجابة تعتبر جمالية سواء جاءت أثناء إدراك مفرد أو مجموعة من الإدراكات.. لقد اتسعت أبعاد التجربة الإنسانية في عصرنا هذا، بحيث أصبح لزاما على الإنسان ألا يرى نفسه فقط من خلال المنظور الحضاري -أي علاقته مع مجتمعه وحضارته ومعتقداته- وإنما أيضا من خلال منظور الزمان والمكان، أي علاقته مع الكون أجمع. فنجد الفنان التكعيبي يحاول أن يصل إلى الحقيقة عن طريق إعمال العقل وتحليل التجربة المحسوسة تحليلاً علمياً تجريدياً، فقد انصرف التجريديون عن تصوير الواقع المحسوس كما يبدو للإنسان العادي واتجهوا إلى الاستعانة بالأشكال الهندسية بالمكعبات والأسطوانات عند تبيانهم لحقيقة العالم الطبيعي، كما تمثلوا قيم الجمال في تلك الخطوط والأشكال وعبروا عنها بأشكال هندسية متداخلة تتميز بالمنظور المسطح، وهي رؤية تتماس مع التعبيريين في وحدة الموضوع وإن اختلفت عنها في إضافتها إلى تعدد وجهات النظر في الموضوع الواحد، واحتوائه على أكثر من رؤية تفسيرية لأن التعبيريين اهتموا بالبساطة والفطرية. هذه الجوانب التي جعلتهم تواقين للفنون البدائية لاحتوائها على قدرات تعبيرية فائقة، فكانت الأقنعة الزنجية ونماذج النحت الزنجي ورسوم الكهوف خير مثال على صدق فكرتهم رغم عدم اهتمام هذه الفنون البدائية بالجوانب البصرية والانسجام ومراعاة النسب، فهي تحقق شكلاً جمالياً وتحقق الإحساس بالمتعة، فالجمال هو وحدة للعلاقات الشكلية بين الأشياء التي تدركها حواسنا، والعنصر الدائم في البشرية الذي يتجاوب مع عنصر الشكل الفني هو حساسية الفنان الجمالية أنها الحساسية الثابتة. أما الشيء المتغير فهو الفهم الذي يقيمه الإنسان عن طريق تجريده لانطباعاته الحسية ولحياته العقلية، فالقيم الجمالية توجد فعلا متميزا عن القيم الوجدانية اللذية، فالجمال يمكن حقاً أن يكون سببا في الآلام كما هو الحال في المآسي عامة وكما هو الحال في الفن التعبيري. ف"اللذة الاستاطيقية، هي اللذة التي تصحب تذوقنا للعمل الفني وتتوفر أيضا في خبرات الحياة العادية، ذلك أن الخبرة إذ تمضي نحو الباع يصحبها الشعور بالرضا، وقد يتضخم هذا الشعور أحياناً حتى يصل إلى حد النشوة والرضا وما بينهما درجات من اللذة الجمالية الاستاطقية، ثم إن الخبرة بمعناها الدقيق تعني أشد درجات الحيوية في الكائن الحي إنها تعني التفاعل التام بين الذات وعالم الأشياء والأحداث". إن الإحساس بالتناسق الممتع هو الإحساس بالجمال؛ فهناك شيء يشكل ما أسميناه العامل الجمالي والإدراك، وهو استعداد في الإنسان للإحساس أن الهيئة الكاملة لحدث مخبور صحيحة ولائقة، فالوجدانيات التي ترتبط باستعداد طبيعي للاستجابة تعتبر جمالية سواء جاءت أثناء إدراك مفرد أو مجموعة من الإدراكات، فالوجدانيات الجمالية هي التي تؤذن بإيقاع الحياة وهو ما يطلق عليه (هربرت ريد) العامل الجمالي في الإدراك. "الإنسان هو تحيزه لوجهة نظر معينة، فقد لا يتذوق الإنسان من الفنون إلا ما هو معروف له، فتراه لا يعجب إلا بما هو شائع فى بيئته، فتكون أحكامه محدودة متحيزة، وقد يضلل الذوق أيضاً الجهل بأصول الفنون عدم كفاية الخبرة". لقد اعتدنا أن نسمي كل الأعمال ذات الأبعاد الثلاثة في الفن نحتاً، لكن الفترة الحديثة شهدت ابتكار أعمال في الفن لا يمكن أن نعدها "منحوتة" أو حتى مسبوكة؛ إنها مشيدة كالعمارة أو مصنعة كالماكينة. يمكننا أن نقول مؤقتاً إنه رغم أن العمل الفني يتضمن دائماً شكلاً من الأشكال، فإن الأشكال جميعا ليست بالضرورة عملاً من أعمال الفن كما أنه ليس ثمة طراز واحد فى الفن ينبغي أن يتسق وإياه جميع طرز الناس؛ بل أن يكون هناك من طرز الفن نفس العدد الذي لطرز الناس، وإن الفئات التي نقسم إليها الفن ينبغي أن تتلاقى بطبيعة الحال والفئات التي نقسم إليها الناس، وهذا القول لا ينفي المسألة الفلسفية للقيمة، ولذا جاء تعريف الفن أنه جهد البشرية للوصول إلى التكامل مع الأشكال الأساسية الموجودة في الكون ومع الإيقاعات العضوية للحياة، ولذا كان الحديث عن الأشكال الحديثة في الفن محاولة للوصول إلى هذا التكامل بدءا من البدائية حتى الفنون الحديثة التي تأثرت بها، فلا نستطيع أن نتحدث عن المخترعات الحديثة على أنها صناعات فقط؛ ولكنها تتخذ من الأشكال الفنية متعددة الأبعاد قيمة جمالية تتمايز بين فرد وآخر، والإحساس بالجمال لا يتوقف على إدراك أبعاد أي جسم مرئي ولكنه يبدو منجذباً تجاهه تدفعه رغبة امتلاكه عبر أحاسيس ومشاعر وخبره جمالية، وتلك الآثار التي تجمع حضارات الأمم بين طياتها هي وإن بدت متباينة في مبناها متجانسة في معناها، هذا لأن الفنون جميعاً تنبع من مصدر واحد، وهو الشعور الإنساني المضطرب في نفس الفنان، وتستهدف كلها شيئاً واحداً هو نقل هذا الشعور نفسه إلى نفس الآخرين حتى يخرج الفنان عن نطاق ذاته إلى رحاب الآخرين، ويفلت من فرديته ليذوب في الجماعة المحيطة به، وهو الإحساس الذي يحقق التوازن الحقيقي في النفس البشرية، فلم تكن كل النظريات والأساليب الفنية المتنوعة إلا محاولة للوصول إلي شيء خارج نطاق الأبعاد الهندسية المحددة حتى في الواقعية نفسها التي تخلو من عنصر الاستعلاء على الإنسان، "والباروك" كلمة تشير إلى الأشكال الثقيلة المنتفخة المثقلة التي لا بد من حثها على الحركة لكي تنتج تأثيرها، وحتة "الركوكو" الذي يعتبر نزعة فنية نحو التجديد ما هو إلا تجسيد للحركة القلقة في الفن، إنه يبحث عن الحرية من أجل تحقيق تأثير جمالي بغير ما اعتبارات نفعية، إنه فن مجرد، ولكي نعطي اسماً أكثر تحديداً للخاصية التي تميز تصوير المناظر الخلوية التي كان (باتينيرا وروبنز وبوسان وكلولدو كورت) يقدمونها كانت تهدف إلى الإيحاء فى تصويرهم لحالات معينة من الإحساس، ذلك الإحساس الذي لا يوجد لوصفه كلمة أفضل من الإحساس الشعري أو حتى الرومانسية في أوجها كانت تهدف إلى التخلص من العالم الذي يقيدها بقواعد وأغلال فنية محددة إلى عالم في بعض الأحيان خيالي أشبه بالفانتازيا وفي أحيان أخرى في صورة أحلام أشبه بالسريالية، فجميعها تدعو إلى شيء خفي، شيء مسيطر قوي، شيء يتخاطب مع الوجدان ويتخاطب مع العقل والعقيدة. جميعها كانت تهدف إلى شيء فطري كرسوم الأطفال لم تستطع تسميته أو تحديده؛ إنه شيء خفي لكنه مسيطر وقوي يدفعك إلى تأمل العمل الفني حتى وإن اتسم بالرداءة وضعف القيمة، فرسوم الأطفال تدفعك إلى تأملها، والفن الشعبي يملك عليك لبك، إنهما يقتربان بعضهما البعض من الأشكال البدائية ويفترقان في مناطق تتعلق بالوعي والإدراك، وفنون الخط العربي لها إمكانات تلفت النظر إليها رغم أنها لا تبدو مجسدة؛ بل أقرب إلى التسطيح والتجريد، ففنون الأطفال وإن كانت تنبع من فطرية إلا أنها تلتقي مع المستوى الإدراكي للفن الشعبي، وقد يشعر المرء بارتياح لعمل مجسد ذي أبعاد ثلاثة ليضيف بمعرفته بعداً رابعاً، ولكنه يظل مشدوهاً نحو عمل غير مجسد يعرفه ولكنه يؤثر فيه ويداعب وجدانه.