شهدت الساحة الأدبية خلال العقود الأخيرة توسعاً واضحاً في الإنتاج، خصوصاً في مجال الرواية والقصة، أصبح القارئ يجد صعوبة في متابعة الأسماء الجديدة التي تظهر كل عام، وتبدو هذه الظاهرة جلية في معارض الكتب الكبرى، حيث تلتقي أعمال الكتّاب المخضرمين بإصدارات الشباب الذين يخوضون تجاربهم الأولى. أدى التحول الرقمي إلى تغيير كبير في مفهوم الكتابة والنشر، فقد أتاحت المنصات الإلكترونية لأي شخص أن ينشر نصه مباشرة للجمهور من دون المرور بمراحل النشر التقليدية، ومع هذا التحول، أصبح النشر خياراً متاحاً لكل من يملك أدوات بسيطة للكتابة والوصول إلى الإنترنت، وأسهم هذا الواقع في ظهور جيل واسع من الكتّاب المستقلين الذين يعبّرون عن أنفسهم خارج المؤسسات الأدبية المعتادة. الكتابة في أصلها حاجة إنسانية للتعبير والفهم، وقد زاد هذا الميل في زمن تتسارع فيه الأحداث وتتغير القيم، كثير من الكتّاب الجدد يكتبون بدافع ذاتي بحثاً عن صوت يعكس أفكارهم ومشاعرهم، وشهدت المنطقة العربية بعد التحولات السياسية والاجتماعية في العقد الماضي موجة من الروايات التي تناولت قضايا الناس وهمومهم، كما فتحت وسائل التواصل الاجتماعي المجال أمام طاقات جديدة، فبعض من بدأ بكتابة الخواطر القصيرة أصبح من الأسماء البارزة في الساحة الأدبية. لكن سهولة النشر أثّرت في جودة الأعمال، فقد تراجع التدقيق، وظهرت نصوص ضعيفة في الفكرة أو اللغة، وتحولت الكتابة لدى بعضهم إلى وسيلة لجذب المتابعين أكثر من كونها عملاً إبداعياً واعياً، وبرزت أعمال كثيرة أثارت ضجة مؤقتة ثم اختفت لأنها لم تحمل مضموناً مؤثراً، في المقابل، يواصل الكتّاب الجادون إنتاج نصوص متقنة تنبع من تجربة ومعرفة، وإن كانوا أقل حضوراً في المشهد الإعلامي. ومع ذلك، أسهم هذا التوسع في تنويع المشهد الأدبي وفتح الأبواب أمام فئات جديدة، خاصة النساء والشباب، كما ساعد على تعزيز عادة القراءة بين الأجيال الجديدة، فبعض الروايات البسيطة كانت مدخلاً إلى الاهتمام بالنصوص الأعمق، وساهم الانتشار الرقمي في وصول الأدب العربي إلى القارئ العالمي عبر الترجمات والمناقشات الثقافية. يبقى التحدي في الفصل بين الكتابة التي تنبع من وعي ومسؤولية، وتلك التي تُكتب بدافع الظهور، فالقيمة الأدبية تُقاس بما تتركه من أثر في الوعي الإنساني، وكما قال نجيب محفوظ: «الكتابة مسؤولية تجاه المجتمع»، فالنص الذي يُكتب بصدق ومعرفة هو الذي يمنح القارئ فهماً أوسع للحياة ويستحق أن يبقى.