دائمًا ما يُقال: خُذ الحكمة من كبيرٍ عاش، لا من صغيرٍ تخيَّل. خُذ الحكمة من أفواه المجانين. وأنا اليوم أقول لكم: خُذوا الحكمة من المتألِّم، لأنه أكثر شخصٍ تعلَّم. فالخبرة الحقيقية لا تُشترى، بل تُكتسب من جراحٍ لم يرها أحد، ومن تألَّم كثيرًا، فهم الحياة أكثر من غيره. لا أحد يخرج من الألم كما دخل، فالألم يغيّرنا بصمت ويصقل أرواحنا. فمن تألّم، تعلّم الحكمة. الألم لا يقتل، بل يعلّمك كيف تحيا بوعيٍ أكبر. الحياة ليست سهلة، لكنها تستحق أن تُعاش، فكل تحدٍّ نواجهه يعلّمنا درسًا، ومن يملك الشجاعة والإصرار يفرض على التحديات الاستسلام. ربما، من كثرة الألم، تصبح الصدور موحشة، لكنها لم تكن كذلك إلا بفعل وجعٍ فرض على العقل أن يكون أكثر اتزانًا وحكمة. ربما كان الألم قويًا، لكنه لن يدوم، وربما لا يُنسى، لكنه مرَّ وانتهى. فلا تستسلم، فالألم زادك إيمانًا وثقة بنفسك، زادك صدقًا ووعيًا، زادك إدراكًا. وإن أرهقك، فاعلم أن: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ سورة الزمر، الآية 10. لا تنتهي حياتك لمجرّد أنك تألّمت، فواصِل الطريق كما فُرضت عليك الحياة أن تعيشه. قد تكون مسيّرًا بالقدر، لكنك مخيّر في الهدف، محدِّدٌ لموقفك منه؛ فإن استسلمت، زاد انكسارك ألمًا على ألم، وإن وقفت بثبات، خفَّ وجعك وسكن قلبك. لذلك، نأخذ من المتألمين تجاربهم، ونستمع إلى قصصهم، ونتّعظ بوعظهم، لعلّ نصيحتهم تكون منجيةً لنا من أخطاءٍ كدنا أن نرتكبها. فالمتألّم لا ينصحك ليأمرك، بل ليجنّبك ما تجرّعه من وجع. لطفًا بالنفوس، فإنها تحمل أرواحًا تشبّعت ألمًا وتشرّبت تعبًا، أرهقتها الحياة. منهم من يقف خلف خوفه، ومنهم من يقف خلف فقره، وآخرون يقفون خلف مرضٍ أنهكهم، أو فقدٍ أوجعهم. فإن نظرتَ إليهم، قدّم لطفك قبل نقدك، وابتسامتك قبل كلماتك. كن المُتَّعظ الصامت، فحتى في قسوة نظراتهم أوجاعٌ خفية، يحملونها بين طيّات سنينهم. لذلك، خُذ من صمتهم عبرة، ومن كلماتهم حكمة. ستمضي الأيام، ولولا ألمك لما تعلّمت الكثير، ولولا وجعك، لما وصلت إلى ما أنت عليه اليوم. الناجحون لا يولدون من الراحة، بل من التعب والصبر والمثابرة، الناجحون يواصلون بتعب، فكن المتعب الناجح، لا المتعب الخاسر المنكسر.