في الطريق إلى المضي في فكرة جديدة أو ربما مروراً إلى فكرة عابرة سريعة تستوقفني بعض القضايا الاجتماعية المؤلمة، تلك التي تأخذ منا نصف دقيقة للمرور ومن ثم نرميها للخلف على اعتبار أنها حوادث طبيعية لأفراد مجتمع غير طبيعيين. حادثتان منفصلتان بمكانين مختلفين تحملان جرحاً اجتماعياً واحداً وسيناريو مختلفاً متخلفاً، عبر ابتزاز متكرر، قصة أولى واستفزاز آخر في حادثة ثانية، ليصاب من لديه قلب بنوبات خوف من مستقبل غامض قد يفجعنا بمجهول إذا ما استمر مسلسل الصمت. في الحادثة الأولى تمت الإطاحة بمبتز ل 117 فتاة من طالبات العمل، وجدير أن أشير إلى أن هذا المبتز ذو قدرة خرافية على عصر وسلب مشاعر النساء والإطاحة بعقولهن قبل قلوبهن، أو أن طالبات العمل يذهبن إليه بآلية تعامل يغيب فيها العقل تماماً وبعدها يستيقظ الخوف إلى الموت، ولولا أن فتاة واحدة منهن أخذتها الجرأة وتألمت من هذه المسرحية الهزيلة لواصل «هامور الابتزاز» العزف على الوتر نفسه، وسار بالرقم الهائل إلى رقم مجنون آخر! المثير أن المبتز لم يتعب كثيراً في مشروعه الإجرامي سوى أنه قام بعمل إعلان في صحيفة إعلانية أسبوعية يطلب فيه فتيات للعمل بمشروع نسائي، فقط بمربع أو مستطيل الإعلان الصغير نجح في لعبته التي كشفتها فتاة لم تحتمل الفضيحة، وخافت من المضاعفات فنشرت الجرح. علاقة الاستفزاز كانت في الحادثة الثانية: حين انهال مواطن على زوجته ضرباً مبرحاً بعصا في أحد الأسواق دون أن يستطيع أحد التدخل، لأن المباراة محسومة من طرف واحد قبل البداية أصلاً، ومعلومة العواقب في حالة قلب النتيجة أو الاحتكام للتعادل عبر مساعدة خارجية. بين «المبتز» و«المستفز» تطفو قضايانا على السطح وتجرحنا، بل تلمح للقارئ القريب أو البعيد إلى أن هناك شيئاً ما وراء هذه الجرأة أو اللامبالاة، لن أقول إنه ضعف العقاب؛ فربما لا يكون هناك عقاب لأنه يتوقف عند المسح باللحى كما يقول المثل الجنوبي، أو تميعه الكفالات التي تمد العقاب إلى أطول مدة زمنية حتى تأتي علينا وجبات النسيان أو مشروبات اليأس. المبتز استغل دماغه ولسانه وتفكيره أثناء وحدته في الطريق الخطأ وبحماس للمواصلة؛ لأنه يعرف أن هناك من النساء من تسكت على قهرها ووجعها وألمها خوفاً من الفضيحة؛ ولأنه معلوم عند وليها أن خطأها يذهب بها إلى القبر، فيما المذكر من قومي يواصل الخطأ ويستمر ويتمادى به؛ لعلمه أن الناتج النهائي للجولات والغزوات له ألف عذر. أما المستفز فتعلّم من ثقافة مجتمعه أن ضرب الزوجة مباح على المطلق، بأي مكان وأيما كيفية، ففي النهاية هو الآمر الناهي الوصي صاحب القوامة وعلى الصواب دوماً، ولو علم أن امتداد يده -أياً كان السبب- على شريكة عمره يعقبها الحساب الكافي، ويقطعه عن ممارسة هذا الفعل البلطجي يوماً قادماً لما تجرأ هو ولا غيره على هذا التصرف المحزن المؤلم. فرض عقاب صارم على هذه التجاوزات -بغض النظر عن التفاصيل وإحضار حساب يوازي الفعل كحد أدنى- سيوقف مثل هذه الجروح حتى لا نبرر إساءة الأدب دوماً بالأمان من العقوبة، أو مسحها بأي شيء؛ نزولاً عند حل القضية في وقتها، وعدم الحرص على قطع طريق الفكرة من الأساس والجذور من خلال صرامة الحساب وقوة عقاب! [email protected]