مع تطور القطاع المالي في المملكة العربية السعودية، نتيجة التقدم التكنولوجي، والتحولات التنظيمية، وتغير الأولويات العالمية، أصبحت إعادة تشكيل المهارات ضرورة مُلحة لتعزيز جاهزية القطاع لمتطلبات المستقبل، وذلك عبر تزويد القوى العاملة بمهارات جديدة كلياً تختلف عن تلك التي يمتلكونها حالياً، الأمر الذي يُمكنهم من التكيف مع التغيرات المتسارعة في الأدوار الوظيفية واحتياجات الصناعة.وفي هذا الشأن أكد الرئيس التنفيذي للأكاديمية المالية مانع بن محمد آل خمسان: «أن الأكاديمية تعمل على تطوير البرامج التدريبية والشهادات المهنية التي تتماشى مع توجهات القطاع المالي، وتسهم في تعزيز جاهزية الكوادر البشرية، ودعم أهداف برنامج تطوير القطاع المالي أحد برامج رؤية 2030». وقال آل خمسان: «تمكنا من تنفيذ سبعة برامج نوعية أهلت أكثر من 246 متدربًا من القطاع المالي»، وإليكم الحوار: * ما أبرز دور تقوم به الأكاديمية المالية اليوم في دعم القطاع المالي وتحقيق مستهدفات رؤية 2030؟ * الأكاديمية المالية تؤدي دورًا وطنيًا محوريًا في بناء رأس المال البشري للقطاع المالي، وتنطلق في أعمالها من استراتيجية طموحة تستند إلى خبراتها المتراكمة، وتحليل الاحتياجات المهنية داخل القطاع، ومواكبة استراتيجيات الشركاء، إلى جانب متابعة الاتجاهات الناشئة عالميًا في تنمية الكفاءات. ومن خلال هذه الرؤية الشاملة، تعمل الأكاديمية على تطوير البرامج التدريبية والشهادات المهنية التي تتماشى مع توجهات القطاع المالي، وتسهم في تعزيز جاهزية الكوادر البشرية، ودعم أهداف برنامج تطوير القطاع المالي أحد برامج رؤية 2030. * ما أبرز جهود الأكاديمية في تطوير الكفاءات المالية وبرامجها النوعية؟ * الأكاديمية المالية تبني جهودها على منظومة متكاملة من المبادرات النوعية والشهادات المهنية التي تستهدف رفع جاهزية الكفاءات السعودية وتعزيز قدرتها التنافسية. ومن خلال حصول الأكاديمية على اعتماد معهد التأمين البريطاني (CII) كمركز تطوير مهني، تمكنا من تنفيذ سبعة برامج نوعية أهلت أكثر من 246 متدربًا من القطاع المالي. كما أطلقنا بالشراكة مع Swiss Re Institute خمسة برامج تنفيذية لتطوير 150 قائدًا في قطاع التأمين، إلى جانب تعاوننا مع معهد CFA لتقديم مبادرات تدعم التوطين النوعي ورفع كفاءة الكوادر الوطنية في القطاعات المتخصصة. وتشمل هذه المبادرات كذلك جلسات توعوية لطلاب الجامعات، تهدف إلى تعزيز وعيهم بمستقبل القطاع المالي وفرصه الواعدة، وربطهم مبكرًا بالمهارات المطلوبة في سوق العمل. وإلى جانب ذلك، نوفر برامج تدريبية متخصصة في مجالات استراتيجية ومحورية تشمل: الاستراتيجية والتخطيط، الالتزام ومكافحة الجرائم المالية، إدارة الائتمان، الابتكار والتحول الرقمي، التداول والاستثمار، الأمن السيبراني، والذكاء الاصطناعي وإدارة البيانات. * كيف تتعامل الأكاديمية مع التحولات الرقمية والتقنيات المالية الحديثة؟ * نتعامل مع التحولات الرقمية من زاوية تدريبية وتعليمية، حيث نعمل على إدماج التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة والأمن السيبراني في المناهج التدريبية، لتزويد المتدربين بالمعرفة والأدوات التي تمكنهم من استيعاب هذه التطورات وتطبيقها في بيئة العمل. وبهذا تتحول البرامج التدريبية إلى منصات عملية تساعد الكفاءات على اكتساب المهارات الرقمية الضرورية لمواكبة مستقبل القطاع المالي. * كيف تسهم الأكاديمية في تطوير القيادات المالية العليا؟ * نعمل على تطوير القيادات التنفيذية من خلال برامج نوعية تستند إلى أفضل الممارسات العالمية وتواكب متطلبات المرحلة. فقد قدمنا برنامج القيادة من القمة (LAP)، الذي يمكّن القيادات العليا من مهارات التفكير الاستراتيجي، وإدارة التغيير، وصناعة القرارات ذات الأثر الكبير على المؤسسات المالية. كما أطلقنا برامج قيادية تستهدف مختلف مكونات القطاع المالي، تشمل البنوك، والتأمين، والتمويل، والسوق المالية، ببرامج متخصصة تتناسب مع تطورات كل قطاع. وإلى جانب ذلك، عملنا على تأهيل القادة الجدد عبر مبادرات نوعية تهيئهم لتولي أدوار قيادية مستقبلية بكفاءة. ونفذنا هذه البرامج بشراكة مع أبرز المراكز والجامعات العالمية المتخصصة في تطوير القادة، ما أتاح للقيادات السعودية الاطلاع على التجارب الدولية الرائدة وتبادل الخبرات، بما يعزز جاهزيتهم لقيادة المؤسسات المالية في بيئة تنافسية إقليمية وعالمية. وأشارت تقارير دولية، إلى أن قادة الأعمال في المملكة يستعدون للتحولات التقنية التي يتوقع أن تقود عملية التحوّل في الأعمال، حيث يتوقع أصحاب العمل دوليا أن 40 % من المهارات الحالية في سوق العمل السعودي ستحتاج إلى إعادة تأهيل بحلول عام 2030، وهو ما يتماشى تقريباً مع المتوسط العالمي البالغ 39 %، وذلك وفقاً لتقرير مستقبل الوظائف 2025 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي. وفي تقرير أعدته الأكاديمية المالية أخيراً، وتناول مهارات القطاع المالي بالمملكة، تم التركيز على موضوع إعادة تشكيل المهارات في القطاع واستعراض إمكاناتها في إحداث تحول جوهري في المسارات المختلفة، بما يتماشى مع أفضل الممارسات العالمية. ولا يقتصر التقرير على أهمية التكيف مع التقنيات الحديثة وديناميكيات السوق المتغيرة، بل يسلط الضوء أيضاً على الخطوات العملية التي من شأنها الإسهام في بناء قوى عاملة ماهرة وقادرة على التكيف بفعالية. رؤية 2030 في البدء، لا بد من الإشارة إلى أن التطوير والتحديث بات سمة من سمات رؤية المملكة 2030، ويُعد القطاع المالي ركيزة أساسية في مسار التحول الطموح الذي تقوده الرؤية، حيث يؤدي دوراً محورياً في تحفيز النمو الاقتصادي، وتنويع مصادر الدخل، وتعزيز الابتكار. وفي ظل التحول العالمي نحو الرقمنة والأتمتة، تبرز الحاجة إلى تمكين القوى العاملة بالمهارات اللازمة لمواجهة التحديات المستقبلية، باعتبارها مسؤولية وطنية وفرصة استراتيجية في آن واحد. وتختلف إعادة تشكيل المهارات (Re-skilling) عن رفع مستوى المهارات (Up-skilling)، حيث يركز رفع مستوى المهارات على تطوير الكفاءات الموجودة بالفعل وتعزيز التنافسية المؤسسية، في حين تركز إعادة تشكيل المهارات على تهيئة الموظفين لأداء وظائف مختلفة تتطلب مهارات جديدة بالكامل. المهارات المستقبلية أوضح تقرير مستقبل الوظائف 2025 أن 84 % من المؤسسات السعودية ترى أن تقنيات الذكاء الاصطناعي ومعالجة المعلومات، بما في ذلك البيانات الضخمة والواقع المعزز والواقع الافتراضي، ستكون محركاً رئيساً لتحول الأعمال في السنوات القادمة، فيما اعتبر 61 % من قادة الأعمال في المملكة أن الروبوتات والأنظمة الذاتية التشغيل مرشحة أيضاً لأن تكون دافعاً للتغيير. وبناء على ذلك، برزت المعرفة التقنية كأهم المهارات الجوهرية المتوقعة بين العامين 2025 و2030 في المملكة، ما يشير إلى أنها تمثل مجالاً رحباً لإعادة تشكيل المهارات في الأمدين القريب والمتوسط. وقد كان هذا التركيز أقوى من المتوسط العالمي، حيث أشار 63 % من القادة السعوديين إلى أن الإلمام بالتقنية يعد من أعلى المهارات المطلوبة لعام 2025، مقارنة ب 51 % على المستوى العالمي (حيث جاءت هذه المهارة في المرتبة السادسة عالمياً)، وارتفعت هذه النسبة إلى 75 % في السعودية و71 % عالمياً فيما يتعلق بتوقعات عام 2030. قطاع الخدمات المالية يواصل قادة قطاع الخدمات المالية استعداداتهم للتحولات التقنية المتسارعة، إذ يتوقع أن يحتاج 41 % من المهارات الحالية لدى القوى العاملة إلى التطوير بحلول عام 2030، وفقاً لتقرير مستقبل الوظائف 2025. وبحسب التقرير، ترى 95 % من المؤسسات المالية أن تقنيات الذكاء الاصطناعي ومعالجة المعلومات ستشكل المحرك الأساسي لهذا التحول. وكما هو الحال مع نظرائهم في المملكة، جاءت الروبوتات والأنظمة الذاتية في المرتبة الثانية ضمن العوامل المحفزة للتحول بنسبة بلغت 53 %. وعلى الرغم من أن الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة لم يُدرجا ضمن قائمة المهارات الأساسية الخمس الأولى لعام 2025، إلا أنه من المتوقع أن تصبح هذه المهارات الأكثر أهمية في قطاع الخدمات المالية وأسواق رأس المال بحلول عام 2030 بنسبة تصل إلى 95 %، متجاوزة المتوسط العام البالغ 86 % على مستوى جميع القطاعات. أما المعرفة التقنية فقد جاءت في المرتبة الثانية بنسبة 84 %، تليها مهارات الشبكات والأمن السيبراني بنسبة 82 %، وذلك وفقاً لما ورد في إصدار يناير 2025 من التقرير. كما بينت نتائج الاستطلاع أن 71 % من قادة المؤسسات المالية يعتبرون توفير برامج فعالة لإعادة تشكيل وتطوير المهارات أبرز فرصة لتعزيز توفر المواهب، مقارنة بنسبة 63 % عبر مختلف الصناعات. وأشار التقرير أيضاً إلى أن 80 % من مؤسسات القطاع تخطط لتنفيذ برامج تركز على إعادة تشكيل وتطوير المهارات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، وهي نسبة تتجاوز المتوسط العالمي البالغ 77 %. التحول المصرفي والرقمي ويمر القطاع المصرفي في المملكة بتحول كبير، يقوم على ركيزتين أساسيتين: التطورات الرقمية والدعم التنظيمي لإنشاء نظام مالي حديث وشامل. وفي إطار هذا التحول، فإن ظهور الخدمات المصرفية الرقمية -أي تقديم الخدمات المصرفية التقليدية عبر المنصات الرقمية مثل تطبيقات الهواتف الذكية والمواقع الإلكترونية- يقدم بديلاً عملياً للفروع التقليدية. وتشير التقديرات إلى أنه في الفترة بين عامي 2024 و2028 ستتوسع سوق البنوك الرقمية في السعودية بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 9.25 %، ليصل حجمها إلى ما يقرب من 700 مليون دولار بحلول عام 2028. ويرتبط ذلك بظهور بنوك رقمية بالكامل مثل STC Bank وبنك فيجن وD360 Bank، ما سيدفع البنوك التقليدية بوتيرة متسارعة نحو الخدمات المصرفية الرقمية. ومن المتوقع أن يسهم هذا التحول في تحقيق مستهدف رفع نسبة المعاملات غير النقدية إلى 70 % بحلول عام 2025، وهو أحد أهداف برنامج تطوير القطاع المالي. الأسواق العالمية ودور الأكاديمية أوضح تقرير الأكاديمية المالية أنه في ظل التطورات المتسارعة في الأسواق العالمية والدور المتنامي للتقنية في القطاع المالي، تتغير متطلبات المهارات اللازمة للنجاح بوتيرة غير مسبوقة. ولمواصلة الحفاظ على تنافسية القطاع المالي السعودي، أصبحت ثقافة التكيف والتعلم المستمر ضرورة لا خياراً. ويؤكد التقرير أن مبادرات إعادة تشكيل المهارات تعد جزءاً محورياً من هذا التحول، بما يعزز قدرة القوى العاملة على مواكبة المتغيرات والمساهمة في بناء اقتصاد ديناميكي قائم على الابتكار والتجديد. كما يقدم التقرير رؤى استراتيجية وأفكاراً عملية لتطوير القوى العاملة في المملكة من خلال ربط برامج التدريب والتطوير باحتياجات القطاع المالي الفعلية، مع إبراز الدور المحوري للتعاون والتكامل بين مختلف الجهات ذات العلاقة. وتقود الأكاديمية المالية جهوداً استراتيجية لتعزيز المهارات والكفاءات في مختلف مكونات القطاع المالي في المملكة، بما يشمل البنوك والتمويل والتأمين والأوراق المالية، وتُعد الأكاديمية ركيزة أساسية في تنمية وتطوير قدرات الكوادر البشرية في القطاع المالي، بما يتماشى مع مستهدفات رؤية 2030، من خلال تزويد المتخصصين بالمعرفة والخبرة اللازمة لمواكبة المتغيرات بمرونة وتنافسية عالية. مانع آل خمسان جانب من ملتقى الأكاديمية المالية العام الماضي وحضور من مختلف القطاعات تقرير - حازم بن حسين