سجل الذهب ارتفاعًا قرب 3,720 دولارًا خلال التداولات المبكرة اليوم الاثنين، مدفوعًا بخفض مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لأسعار الفائدة بواقع 25 نقطة أساس في سبتمبر، وهو أول خفض منذ بداية عام 2025. ورغم أن هذه الخطوة كانت متوقعة، إلا أن انعكاساتها على الأسواق كانت عميقة، خصوصًا مع تزايد القلق بشأن ضعف سوق العمل الأمريكي وتباطؤ التوظيف. وقالت رانيا جول ، كبير محللي الأسواق في XS.com- منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA): برأيي، يمثل هذا القرار نقطة تحول في دورة السياسة النقدية، حيث يوازن الفيدرالي بين مخاطر التضخم المرتفع من جهة، ومخاطر الركود وفقدان الوظائف من جهة أخرى. وفي هذا السياق، يظل الذهب مستفيدًا رئيسيًا بصفته أداة تحوط في بيئة يسودها الغموض. لكن قراءة تصريحات جيروم باول تكشف عن قدر من الحذر لا يمكن تجاهله. صحيح أنه أكد أن الخفض جاء لإدارة المخاطر، لكنه أشار أيضًا إلى أن القرارات المقبلة ستُتخذ "اجتماعًا تلو الآخر"، ما يعني أن الفيدرالي لا ينوي المضي سريعًا في دورة تيسيرية واسعة كما يعتقد بعض المستثمرين. وأرى أن هذا الخطاب المزدوج يضع الأسواق أمام معادلة معقدة: الذهب يتلقى دعمًا من خفض الفائدة، لكنه يواجه ضغطًا مقابلًا من قوة الدولار المحتملة إذا ما فسر المتداولون موقف باول بأنه أكثر تشدداً مما توقعوا. وهذا التوازن الهش يفسر التذبذب الحالي للأسعار. التطورات الجيوسياسية تشكل بعدًا آخر لا يقل أهمية. هجوم روسيا المكثف بالطائرات المسيرة والصواريخ، إلى جانب تصاعد التوترات في شرق أوروبا والشرق الأوسط، يعيد إلى الواجهة دور الذهب كملاذ آمن تقليدي. تاريخيًا، كلما ارتفعت المخاطر الجيوسياسية زادت جاذبية المعدن الأصفر، خاصة عندما يترافق ذلك مع سياسات نقدية أقل صرامة. وفي تقديري، هذا العامل سيبقى الداعم الأساسي للذهب في المدى القصير والمتوسط، حيث يخلق أرضية صلبة تبقيه قريبًا من قممه التاريخية الأخيرة. مع ذلك، لا يمكن إغفال قوة الدولار الأمريكي التي استعادت بريقها في الأيام الماضية. فارتفاع الدولار إلى أعلى مستوى له منذ يوليو 2022 يعكس توقعات الأسواق بأن الفيدرالي لن يسمح بانفلات التضخم. ومن المعروف أن ارتفاع الدولار يُضعف شهية المستثمرين للذهب، كونه مقوّمًا به ويصبح أكثر تكلفة لحائزي العملات الأخرى. وأعتقد أن هذا العامل سيكون بمثابة كابح أمام أي اندفاع حاد في أسعار الذهب على المدى القصير، مما يجعل الارتفاعات أكثر حذرًا وأقل استدامة. من جهة أخرى، تشير رهانات الأسواق إلى سيناريو أكثر تفاؤلًا بشأن خفض أسعار الفائدة مما أعلنه الفيدرالي رسميًا. فالتوقعات تشير إلى احتمال نزول الفائدة قصيرة الأجل إلى ما دون 3% بحلول 2026، وهو ما قد يفتح الباب أمام دورة صعودية طويلة للذهب إذا تحقق بالفعل. لذا أرى أن هذه التوقعات متفائلة أكثر من اللازم، إذ لا يمكن تجاهل مخاطر التضخم التي ما زالت قائمة، ولا قدرة الفيدرالي على تغيير مساره بسرعة إذا ما استدعى الأمر. ومع ذلك، يبقى هذا السيناريو مطروحًا ويستحق المراقبة عن كثب. أيضاً الأسواق العالمية تترقب قرارات سياسية وتجارية قد تغير قواعد اللعبة. فالدعوى المرفوعة أمام المحكمة العليا الأمريكية بشأن شرعية الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب تضيف عنصرًا جديدًا من عدم اليقين، لا سيما أن استمرار تلك الرسوم حتى إشعار آخر قد يضغط على التجارة العالمية. وبرأيي، هذه البيئة المحفوفة بالمخاطر التجارية والجيوسياسية تدفع المستثمرين للبحث عن أدوات تحوط، وفي مقدمتها الذهب، مما يعزز موقعه رغم أي ضغوط مؤقتة. ولا يمكن أيضًا فصل مشهد الذهب عن تحركات حلف الناتو وتزايد المخاطر الأمنية في أوروبا الشرقية. اعتراض ثلاث مقاتلات روسية فوق إستونيا رسالة واضحة على أن التصعيد قد يتخذ أبعادًا أوسع. ومثل هذه التطورات تدعم وجهة نظري بأن الذهب سيبقى في دائرة الاهتمام، ليس فقط كمخزن للقيمة، بل كأداة تحوط استراتيجية ضد أحداث يصعب التنبؤ بمسارها. وفي المدى القريب، أرى أن الذهب سيبقى متذبذبًا بين دعم قوي قرب مستويات 3,650 دولارًا ومقاومة صلبة حول 3,750 دولارًا، مع احتمالية اختبار مستويات أعلى إذا استمرت المخاطر الجيوسياسية أو جاءت تصريحات الفيدرالي أكثر مرونة. لكن في المقابل، أي مفاجأة سلبية من بيانات التضخم أو تحركات مفاجئة للدولار قد تدفع المعدن للتراجع. لذلك، أعتبر أن سلوك المستثمرين سيبقى حذرًا ومبنيًا على إدارة المخاطر، أكثر من كونه اندفاعًا استثماريًا طويل الأمد في هذه المرحلة. والخلاصة أن الذهب يقف اليوم عند مفترق حساس، تتقاطع فيه قرارات الفيدرالي، قوة الدولار، والمخاطر الجيوسياسية. وبرأيي، السيناريو الأكثر ترجيحًا هو بقاء الذهب قريبًا من مستوياته التاريخية الحالية مع ميل صعودي تدريجي، مدعومًا بالسياسات النقدية التيسيرية والمخاطر الجيوسياسية المستمرة. لكن الوصول إلى قمم جديدة بشكل مستدام سيحتاج إلى وضوح أكبر في مسار التضخم الأمريكي وتأكيد على دورة خفض للفائدة أوسع مما يلمح إليه الفيدرالي الآن. وحتى يحدث ذلك، سيبقى الذهب في حالة شد وجذب، يعكس بدقة حالة القلق وعدم اليقين التي تطغى على الاقتصاد العالمي. التحليل الفني ل الذهب (XAUUSD ): يتداول الذهب مقابل الدولار في اتجاه صاعد قوي على الإطار الزمني لأربع ساعات، حيث تمكن السعر من اختراق مستويات محورية سابقة والتمركز أعلى منطقة 3,678 دولار، مما يعكس استمرار قوة المشترين. ورغم الزخم الإيجابي، إلا أن وصول السعر إلى منطقة مقاومة رئيسية بالقرب من 3,720 دولار يضع احتمالية لموجة جني أرباح أو تصحيح محدود قبل أي استكمال للحركة الصعودية.