منذ عقود طويلة والوسط الرياضي السعودي يعج بالكثير من الروايات والقصص، بعضها صحيح ومبني على وقائع تاريخية، وبعضها الآخر مجرد إشاعات تتوارثها الألسن دون دليل، ومن أكثر تلك الإشاعات انتشارًا، ما يُسمى ب "قصة انشقاق الهلال عن الشباب". هذه السردية التي لا تصمد أمام أي قراءة موضوعية للتاريخ، تحولت إلى مادة يرددها البعض بين الحين والآخر لتقزيم كيان الهلال العريق والتشكيك في استقلاليته، والحقيقة أن الهلال لم ينشق يومًا عن الشباب، بل هو نادٍ مستقل تأسس على يد شخصية رياضية فذة، هي الشيخ عبدالرحمن بن سعيد - رحمه الله - الذي أسس نادي الهلال عام 1957م تحت اسم "الأولمبي"، قبل أن يصدر أمر ملكي من الملك سعود - طيب الله ثراه - بتغيير اسمه إلى "الهلال" عام 1958م. البدايات: الشباب أقدم زمنيًا قبل تأسيس الهلال بعشر سنوات، وتحديدًا في عام 1947م، ظهر نادي "الأهلي بالرياض"، الذي أصبح لاحقًا "الشباب". وقد كان لهذا النادي مكانة في الوسط الرياضي، وجذب عددًا من الشخصيات البارزة، ومن بينهم الشاب الطموح آنذاك عبدالرحمن بن سعيد، الذي التحق بالنادي وشارك في إدارته. لكن من المعروف في التاريخ الرياضي أن وجود شخص في إدارة نادٍ لا يعني بالضرورة أن يظل أسيرًا له مدى الحياة، فالعمل الإداري قائم على الاستقالة والتنقل، وقد يقرر أي شخص في لحظة ما أن يبدأ مشروعًا جديدًا، وهذا ما فعله الشيخ عبدالرحمن بن سعيد حين قدّم استقالته من إدارة الشباب، وبدأ يُفكّر في تأسيس نادٍ مستقل يعكس طموحاته وأفكاره. استقلالية الهلال عن الشباب عندما أسس الشيخ عبدالرحمن نادي الأولمبي (الهلال لاحقًا)، كان تأسيسًا مستقلًا لا علاقة له بالشباب، لم يكن الأمر انشقاقًا، لأن الانشقاق - لغويًا وتاريخيًا - يعني أن يولد كيان من داخل كيان آخر وهو لا يزال قائمًا، أما الهلال، فقد وُلد بعد أن خرج مؤسسه من الشباب بشكل كامل، وقدّم استقالته قبل أن يبدأ مشروعه الجديد. لتقريب الصورة، تخيل أن شخصًا يُدعى "عبيد" يعمل في شركة "زيد"، ثم يستقيل من الشركة ويؤسس شركته الخاصة، هل يُعقل أن يقال: "شركة عبيد انشقت من شركة زيد"؟ الجواب قطعًا: لا. شركة عبيد هي كيان مستقل لا علاقة له بزيد، سوى أن المؤسس كان يومًا ما موظفًا هناك، وهكذا بالضبط قصة الهلال: تأسيس جديد تمامًا، لا انشقاق ولا فرع. لماذا انتشرت هذه السردية؟ قد يتساءل البعض: لماذا إذن انتشرت رواية الانشقاق؟ والجواب أن هناك عدة أسباب: 1- التنافس الرياضي: منذ أن بدأ الهلال يحقق النجاحات المتتالية ويحصد البطولات، نشأت غيرة طبيعية من بعض المنافسين الذين حاولوا التقليل من شأن الهلال بإطلاق مثل هذه الروايات. 2- انتقالات اللاعبين في البدايات: في تلك الفترة كان عدد اللاعبين محدودًا، وكان من الطبيعي أن ينتقل بعض لاعبي الشباب إلى الهلال أو العكس، وهذا ما جعل البعض يظن أن الهلال خرج من رحم الشباب. 3- غياب التوثيق الإعلامي: في الخمسينات والستينات لم تكن وسائل الإعلام والتوثيق كما نعرفها اليوم، ما ساعد على تضخيم القصص المتناقلة شفويًا. الهلال كيان عريق مستقل الهلال، منذ تأسيسه، أثبت أنه نادٍ عريق ومستقل بذاته، لم يحتج إلى "انشقاق" حتى يكون حاضرًا، بل صنع تاريخه بجهد مؤسسيه ورجاله ولاعبيه، والسنوات التي تلت تأسيسه أثبتت أنه كان مشروعًا ناجحًا بكل المقاييس: * أصبح أكثر الأندية السعودية تحقيقًا للبطولات. * قدّم لاعبين أساطير خدموا الكرة السعودية. * أصبح واجهة للرياضة السعودية على المستوى القاري والعالمي. كل هذا التاريخ والإنجازات لا يمكن أن يُربط بخرافة "الانشقاق"، التي لا هدف منها إلا التقليل من قيمة الهلال ومكانته. الخلاصة إن القول بانشقاق الهلال عن الشباب ليست إلا سردية تاريخية تُردد دون وعي. الهلال والشباب كلاهما ركيزتان من ركائز الرياضة السعودية، لكن التاريخ لا يُزوّر: الهلال لم ينشق عن الشباب، بل وُلد مستقلاً، وكتب لنفسه المجد والبطولات بعرق رجاله وجهود مؤسسيه. وليد بامرحول