المملكة... حيث ينطق الحجر بتاريخ لا يغيب في صمت الرمال، وبين تضاريس الصخر، وجنون التنوع تتحدث المملكة العربية السعودية بلغة التاريخ، وموطن الحضارات المتعاقبة، وشاهد حي على ولادة الإنسان، وتطور العمران، وتلاقي الثقافات. تسعى المملكة، من خلال رؤية 2030، إلى إعادة تعريف موقعها الحضاري عالميًا كأرض زاخرة بالإرث الإنساني، والمادي والطبيعي، وقد باشرت الجهات المختصة، كمنظومة الثقافة، في خطوات نوعية للحفاظ على الآثار، وتسجيلها في قائمة التراث العالمي (اليونسكو)، لتصبح هذه المواقع رواة لقصة وطن لم ينقطع عن التاريخ. في قلب مدينة جدة وعلى شاطئ البحر الأحمر، تقف جدة التاريخية كقطعة من الزمن، ومتحف مفتوح ينطق بالتاريخ والحضارة ك قصة متكاملة من الإنسان والعمران، وحكاية بدأت منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام، حين استوطنها الصيادون وتحوّلت إلى ميناء إستراتيجي، ثم إلى مَعلم ثقافي عالمي أدرجته منظمة اليونسكو ضمن قائمة التراث العالمي عام 2014م، ليُصبح شاهدًا على عبقرية المكان وأصالة الإنسان. «أحياء نابضة» تتوزع جدة التاريخية إلى أربعة أحياء رئيسية: حارة الشام، وحارة اليمن، وحارة البحر، وحارة المظلوم. وتحمل كل حارة إرثًا معماريًا واجتماعيًا خاصًا، يعكس حياة ساكنيها وتقاليدهم. فحارة اليمن تُعرف ببيوت آل نصيف والجمجوم، بينما حارة المظلوم تحتضن مسجد الشافعي ومسجد المعمار العتيق. أما حارة البحر فهي تطلّ على الميناء القديم، وتشهد على تلاقح الثقافات والتجارة عبر البحر الأحمر. «محاريب صامدة» تضم جدة التاريخية عددًا من المساجد التي تعود لعصور الإسلام الأولى، مثل: مسجد الشافعي الذي يرجع بناؤه إلى عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومسجد عثمان بن عفان، ومسجد المعمار، ومسجد الباشا، ومسجد الحنفي الذي صلّى فيه الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود. وقد نالت هذه المساجد اهتمامًا خاصًا ضمن مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية، الذي أعاد الحياة لأكثر من معلم ديني عريق. «بيوت خالدة» تضم جدة التاريخية نحو 600 مبنى تراثي بُني أغلبها بالحجر والخشب، وفق طراز معماري يحقق التهوية ويخفف من حرارة المناخ، ويجسّد فنون العمارة التقليدية للبحر الأحمر. وتُعد الرواشين الخشبية سمة بارزة، تمنح البيوت خصوصية وتهوية وأناقة بصرية فريدة. ومن أبرز هذه البيوت: بيت نصيف، الذي أقام فيه الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- نحو 10 سنوات، وجعله مقرًا للمصلى والمجلس. «أسواق تالدة» تاريخ جدة التجاري يتجسّد في أسواقها، مثل: سوق البدو وسوق قابل وسوق الندى، والتي ما زالت تنبض بالحياة حتى اليوم. كما كانت تضم "خانات" قديمة، مثل: خان العطارين وخان القصبة، وهي أشبه بالقيصريات التجارية القديمة، شاهدة على ازدهار النشاط الاقتصادي والثقافي. «مهرجانات شاهدة» تحوّلت جدة التاريخية إلى مسرح حي للمهرجانات الثقافية، أبرزها مهرجان جدة التاريخية الذي انطلق عام 2014م، ويعيد الزوّار إلى أجواء الزمن الجميل عبر فعاليات تراثية ومعارض فنية. كما تستضيف المنطقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي، أول مهرجان سينمائي دولي في المملكة، مما جعلها ملتقى عالميًا للفنون والثقافة. «متاحف رائدة» من بين أبرز المتاحف: بيت نصيف، ومتحف البحر الأحمر، وبيت المتبولي، ومتحف بيت البلد، والتي تضم مخطوطات وأعمالًا فنية ومقتنيات تاريخية، تُعيد سرد الحكاية لجيل اليوم. «مشاريع واعدة» بتوجيه من سمو ولي العهد، أُطلق مشروع إعادة إحياء جدة التاريخية ضمن مستهدفات رؤية السعودية 2030، لتحويلها إلى مركز اقتصادي وسياحي وثقافي عالمي، يمتد العمل فيه على مدى 15 عامًا، ويشمل تطوير 600 مبنى تراثي، و36 مسجدًا، و5 أسواق تاريخية، إلى جانب تطوير البنية التحتية والواجهات البحرية والمساحات الخضراء. «جدة.. وجه المملكة النابض» جدة التاريخية روح مدينة وذاكرة أمة، شاهدة على بدايات الدعوة الإسلامية، ومراحل قيام الدولة السعودية، وتحوّلاتها الاجتماعية والثقافية. إنها ابتسامة التاريخ، وخطاب العالم بلغة الحضارة.