ارتبط الأدب السعودي برصد التغيرات التي طرأت على المجتمع، وكانت الرواية أحد الأنواع الأدبية، التي وثقت لهذه المتغيرات التي طرأت ومقياسًا حدد تحولاته. يقول الناقد والروائي إبراهيم منصور: «إن السردية الثقافية في الرواية، تؤدي دورًا مهمًا في إعادة تشكيل الذاكرة الجمعية للمجتمع، فهي لا تتناول فقط ما يحدث في الوقت الحاضر، بل تمتد غالبًا إلى الماضي لعرض أحداث وتواريخ مؤثرة، فيستخدم الماضي ليُبرز أحداثًا مهمة في تاريخ المجتمع أو لحظات حرجة في التغيرات الثقافية، وهذا الأمر يساعد على فهم أعمق للهوية الراهنة، وهذا الاسترجاع للماضي من خلال الشخصيات والأحداث يمنح الرواية قوة تاريخية». تعد رواية (أحجار في قارعة الطريق) للأديب سعد الغريبي أحد هذه الأعمال الروائية التي وثقت لحقبة تاريخية اجتماعية عاشها المجتمع السعودي. حيث إنها تؤرخ لمرحلة اجتماعية عاشتها المرأة وتنقل أحداثها للأجيال الحالية والقادمة مدى التحول الذي تحقق في مجتمعهم، وبرأيي كقارئ إنها من الروايات التي تستحق تحويلها لعمل درامي لتكون شاهدًا على مرحلتها ووثيقة للأجيال المتعاقبة. نبدأ بعتبة الرواية العنوان والذي أثار نقاشًا عند متلقيها لماذا أحجار في قارعة الطريق وليس أحجار على قارعة الطريق؟! ويبدو أن الكاتب تعمد العنوان لأنه يرى أن الأحجار وضعت عمدًا لتكون عائقًا يمنع المرأة من المساهمة في بناء مجتمعها، ولا تكون جزءًا من طريق بناء المستقبل لأن الحجارة على قارعة الطريقة تكون طبيعية وغير مقصودة. تبدأ أحداث الرواية بلقاء يجمع ثلاث طالبات تخرجن من الجامعة، إيمان ونادية شخصيتان فرعيتان في الرواية توقف طموحهما بعد التخرج بالزواج والعمل وهما تمثلان الصورة النمطية للمرأة في تلك الفترة لكن الشخصية الثالثة في الرواية (عبير) كانت متمردة على الواقع الذي يحاول المجتمع فرضه عليها ورفضت أن تكون امرأة تقليدية لديها طموح في مواصلة تعليمها وتحديد مستقبلها، ولم تستسلم لمفاهيم المجتمع وساعدها في تحقيق طموحها الأسرة التي تنتمي إليها والدها ووالدتها وأخوها. وقد رفضت بطلة الرواية الزواج التقليدي من ابن عمها لأجل تحقيق طموحاتها في الدراسة، وكانت هي الشخصية المحورية والمحركة لأحداث الرواية، وقد رصد من خلالها الراوي أوضاع المرأة في المجتمع، ومحاولة الخروج من الزنزانة التي تم وضعها فيها، والظروف التي كانت تعيشها، والتحولات التي مرت بها والصعوبات التي واجهتها على مستوى وجودها الاجتماعي وتعليمها وخياراتها فيما يتعلق بالزواج من داخل وخارج بيئتها. تناولت الرواية الاستفادة من فرص الابتعاث، وعودة جيل جديد من الطالبات المتلبسات بثقافة تختلف عن السائد الاجتماعي، وحاولن إعادة صياغة مفاهيم جديدة للمرأة تواكب التطورات والنهضة التي تعيشها البلاد على الصعيد الاقتصادي والتعليمي والانفتاح الثقافي من خلال شخصية (عبير) المبتعثة، والتي حصلت على أعلى شهادات الدراسات العليا في الغرب وعادت لتلعب دورًا مهمًا سواء في المحيط الأكاديمي الذي عملت به بعد عودتها من الابتعاث، أو من خلال الاجتماعات النسائية التي أنشأتها في الاستراحات والأندية النسائية، أو في محاولتها إعادة تشكيل الوعي المجتمعي للمرأة بما ينسجم مع ما تعلمته في دراستها بالخارج في إشارة إلى أن المرأة هي التي تساهم في تغيير المفاهيم الاجتماعية تجاهها. مما لفتني في شخصيات الرواية رغم أن الكاتب رجل إلا أن صورة الرجل جاءت خارج النسق فهي إما الشخصية المستبدة الطماعة الجشعة كما هي شخصية عم عبير الذي كان يريد عضلها لابنه ومنعها من الابتعاث وبعد وفاة أخيه حاول أن يستولي على إرثهم بطرق ملتوية، لولا وعي عبير بشخصية عمها، وشخصية أخ عبير الشاب الذي حاولت اصطحابه إلى لندن أثناء دراستها ليتعلم ويتفتح ذهنيًا وعرفته على زميلها محمد نذير. الصورة الرابعة السلبية للرجل هو صالح زوج إيمان، وهو مرشح للابتعاث وتزوج لأن أمه أرادت تزويجه قبل الابتعاث خوفًا عليه من بنات إبليس! (والد عبير) كان هو الشخصية المتزنة والإيجابية لكنه يموت لتكمل عبير مشوارها في مواجهة المجتمع وسلطة الرجل منفردة في غياب الأب ربما ليشير الكاتب أن نجاح المرأة كان بوعيها، بعد صدامات ومواقف وأحداث كثيرة تمر بها (عبير) مع المجتمع وآخرها تجربتها بالزواج عبر وسائل التواصل من دكتور تكتشف فيه عقلية الرجل الشرقي تقرر أن تعود للهجرة، ولكن تصدم بمصادرة أخيها لحريتها وقرارها ومنعها من السفر! لكنها تقرر الاستمرار في إزالة الأحجار من قارعة الطريق لتمهده للأجيال القادمة «لقد قررت أن أزيل الأحجار التي تعترض الطريق ولو بسواعدي، وبمفردي، فلعل أحداً ينتبه لما أفعل، فتدب في قلبه الغيرة والحمية فيهب لمساعدتي». * قاص وكاتب سعودي