تستبطن الروايات والقصص الحكايات الإنسانية في عمقها الفلسفي والوجودي والذاكرة المرتعشة للإنسان المطرود من ذاته. هذا ما نلحظه في رواية أحجار في قارعة الطريق للروائي سعد الغريبي الصادرة في عام 2014 عن مؤسسة أروقة للدراسات - القاهرة. بداية بالعنوان أحجار في قارعة الطريق؛ فالأحجار في الطريق؛ معيقات مهما كان حجمها، وربما أصغر حجارة يكون تأثيرها عنيفاً، والطريق مشوار الحياة بما فيه وما يحمله من مفاجآت وعوائق وانغماس في المعاناة الإنسانية. ولأن الكتابة مرآة الذات وتضيف للإنسان هويته واتجاهاته الفكرية. نجد هذه الرواية اجتماعية بامتياز، تتداخل فيها السيرة الذاتية، والسيناريو المكتوب للأحداث، ورغم تعدد الأصوات داخلها، إلا أن الراوي العليم سيطر على رواية الأحداث، وجاء تمرد الشخصيات عليه من خلال الحوارات التي كتبت توجهها في الحياة. الرواية تنقل الواقع الاجتماعي للمرأة في حقبة زمنية مضت في مختلف المسائل التي من أهمها؛ العلاقة بين الرجل والمرأة داخل المجتمع في نطاقها المحدود، والحالة النفسية والوجودية للمرأة. نجد أن الروائي سعد الغريبي قد انصرف إلى طرح مسألة تخص المعايير الثقافية والاجتماعية الضابطة لهوية المرأة، الذي عاشت فيه الشخصيات الرئيسية. هذا الانزياح الذي تتجاذبه الرؤى الاجتماعية بين «أكون أو لا أكون». وتبرز جندرية المرأة في الرواية، فالشخصيات الرئيسية» عبير وإيمان ونادية» هن محور الأحداث وتداعياتها، ولب الصراع.. لتخطي القيود الاجتماعية، وكسر طوق بعض العادات، ومراسيم العائلة الآفلة. في حياة الشخصيات الرئيسية في الرواية نجد الصراع قائماً ومحتدماً بين هذه الشخصيات وبعض القيود الاجتماعية؛ إيمان وصراعها مع أم زوجها التي ترى أنها غير صالحة لابنها بسبب تأخرها في إنجاب طفل، حتى أن تقبل طفل متبنى داخل الأسرة لم يكن مرغوباً فيه» المجتمع لم يتقبل بعد تربية طفل غريب في أسرة بديلة. ونجد زوج نادية يعاني من علاقة زوجته بأم صالح، وتأثير هذه العلاقة على اهتمامها بأسرتها وزوجها.. سلبياً، وأيضًا تأثير الأصدقاء وحكاياتهم، وعودة زوج نادية لمراجعة النفس وقناعته أنه لا يوجد حياة زوجية مثالية ومكتملة مئة بالمئة. نجد الصراع قويًا، عندما يتدخل المجتمع قسريًا في حياة الآخرين، وأثر التحول الاجتماعي «لقاء الصديقات في المقاهي، والمجمعات التسويقية». علاقة عبير مع محمد نذير وحب لم يصمد أو يكتمل، فيصل شقيق عبير الأصغر منها والذي تردد على بريطانيا لعدة سنوات إلا أن هذا الاقتراب والانفتاح على حياة أخرى لم يكن له أثر في تغير قناعاته الفكرية. العلاقات بين المرأة والرجل عبر منصات التواصل. كل هذه الصراعات تبلع ذروتها منتهاها عند عبير التي فشلت في التجاوز رغم الانتصار لجنسها، إلا أنها لم تنتصر لنفسها، حتى زواجها من يوسف الذي تخلى فيه عن مسؤولياته كزوج «قوامته». هذه العبير التي تلاشى عبيرها وعودتها لمجارات السياق الاجتماعي مع محاولتها واجتهادها في التغيير. تقول عبير: «لقد قررت أن أزيل الحجارة عن الطريق، ولو بسواعدي وبمفردي، لعل أحداً ينتبه لما أفعل، فتدب في قلبه الغيرة والحب فيهب لمساعدتي». كان الله في عونك يا عبير، قد تتغير أشكال القيود وأحجامها وألوانها، لكن واحداً منها سيظل يكبل يديك. فاليد الواحدة لا تصفق. وبين فرحة بداية الرواية التي عاشتها الخريجات في حفل بهيج بمناسبة تخرجهن، والفترة الانتقالية في حياة كل منهن، وبين ما حدث لعبير قراءة لفكر اجتماعي لم يتغير، والتوقف على المظاهر الشكلية والسطحية بينما العمق الفكري ما زال ثابتاً. فقد أفاقت عبير وهي في خضم معركتها لإحداث الفارق، على أن أخاها الأصغر منها أصبح ولي أمرها، ويمارس سلطته الذكورية عليها، وينفي سنين تمردها. فما زال مسكوناً بكلمات عمه عندما ذهب إليه لخطبة ابنته وهو يقول: «لكن يا فيصل أنا أعرف أن القول في بيتكم للنساء منذ حياة الوالد الله يرحمه». رواية قرأت فيها هوية المكان داخل وخارج المملكة بشكل مقتضب، خاصة في الرياض فلم أستأنس بمسمى لحي معين أو شارع، حتى الجامعات ألغيت مسمياتها « الجامعة النسائية «؛ لكن ربما للراوي أسبابه في عدم التعمق في هوية المكان للتخلص من تبعاته. قرأت في الرواية: « لقد تعلمت أن الأماكن مهما كانت فاتنة وجميلة فإنها لا تزين إلا بسكانها. استطاع الراوي أن يجسد حياة المرأة الاجتماعية كما هي بأدق التفاصيل، لتوثق براعته في الوصف وتماسك السرد، والإبداع. واستمتعت بقراء الرواية كما جاءت أحداثها.