في مارس 2021، أطلق سمو ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، مبادرة السعودية الخضراء، لتكون علامة فارقة ضمن رؤية السعودية 2030. المبادرة لم تأتِ بوصفها مشروعًا بيئيًا عابرًا، بل كجزء رئيسي من إستراتيجية وطنية طويلة المدى تهدف إلى تحقيق الحياد الصفري للانبعاثات الكربونية بحلول عام 2060. ويقوم هذا التوجه على مفهوم "الاقتصاد الدائري للكربون"، الذي يُعد إحدى أبرز الأدوات العلمية لمواجهة تحديات التغير المناخي. ترتكز المبادرة على ثلاثة محاور رئيسة، تقليل الانبعاثات الكربونية بما يتجاوز 278 مليون طن سنويًا بحلول عام 2030، إضافة إلى التشجير الهائل عبر زراعة 10 مليارات شجرة وإعادة تأهيل 40 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة، وحماية التنوع الطبيعي من خلال تخصيص 30% من مساحة اليابسة والمناطق البحرية كمحميات طبيعية. هذه الأهداف ليست مجرد طموحات نظرية، بل تُترجم إلى أكثر من 85 برنامجًا ومشروعًا يجري تنفيذها باستثمارات ضخمة تُقدّر بنحو 705 مليار ريال سعودي، بإشراف لجنة عليا يرأسها ولي العهد، مع اعتماد يوم 27 مارس موعدًا سنويًا للاحتفاء بالمبادرة واستعراض منجزاتها. البعد المحلي: الأحساء أنموذجًا على المستوى المحلي، تتجلى أبعاد هذه المبادرة الوطنية في الأحساء، واحة النخيل وموطن التراث الزراعي الممتد عبر قرون، تلعب أمانة الأحساء دورًا مهمًا في تجسيد الأهداف الوطنية على أرض الواقع من خلال خطط التشجير المحلية: تشمل زراعة الأشجار في الحدائق العامة، وعلى الأرصفة، وفي الساحات المفتوحة، بالتعاون مع المؤسسات التعليمية والمجتمع المدني. إضافة إلى مكافحة الجزر الحرارية: عبر إدماج التشجير في الاستراتيجيات الحضرية لتلطيف الأجواء وتحسين جودة الحياة في المدن، والتوعية المجتمعية عبر حملات التثقيف البيئي، وإشراك المنظمات غير الربحية والمجتمع المحلي في نشر ثقافة الاستدامة. كما تعلب المشاريع الوطنية المشتركة دورا مهما، مثل برنامج "مدن خضراء"، الذي يربط بين التنمية الحضرية المستدامة والأهداف البيئية لرؤية 2030. أهمية هذه الجهود لا تقتصر على المملكة فحسب، بل تأتي متسقة مع الالتزامات الدولية لمواجهة التغير المناخي، حيث أصبحت السعودية لاعبًا رئيسيًا في مشهد الطاقة المستدامة وحماية البيئة العالمية. الأحساء، بما لها من مكانة طبيعية وزراعية، تمثل مختبرًا حيًا لترجمة المبادرة إلى واقع ملموس، حيث تلتقي الأشجار المزروعة اليوم مع مستقبل الأجيال القادمة في صورة أكثر خضرة وازدهارًا. ختامًا.. مبادرة السعودية الخضراء ليست مجرد إعلان سياسي، بل منظومة عمل وطنية تتكامل فيها أدوار الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني. وفي الأحساء، تظهر ثمار هذه المبادرة عبر مشروعات تشجير، خطط حضرية، وحملات توعية، لتشكل نموذجًا يُحتذى به في كيفية دمج الاستدامة في تفاصيل الحياة اليومية. فكل شجرة تُزرع اليوم في أرض الأحساء، هي استثمار في مستقبل أكثر اخضرارًا، ورمز لإرادة وطن يسعى لأن يكون رائدًا عالميًا في حماية البيئة والتنمية المستدامة.