كانت سارة طفلة في العاشرة، يداها تخونانها فجأة.. تتحركان بسرعة، تُسقطان ما تحمله دون أن تدري. في إحدى المرات اقتربت من أمها بخوف، وهمست: "يمة... يديني تتحرك وتسوي تصرفات غريبة"، لكن الأم نظرت إليها ببرود، وقالت بلهجة حاسمة: "انتي توسوسين". شعرت سارة أن كلماتها تبعثرت في الهواء، لم تصل، لم تجد من يفهمها، كانت صغيرة جدًا على أن تشرح ما يجتاح جسدها، وكبيرة جدًا على أن تتجاهل ما يحدث لها. في المدرسة، جلست في الصف الأول قرب النافذة، الحصة الأخيرة من يوم طويل، كانت تكتب درس التوحيد بهدوء حين خانتها يدها فجأة... أفلت القلم ليصيب وجه المعلمة. تجمد الزمن حولها، ثم وجدت نفسها في مكتب المديرة، صوت التوبيخ كان قاسيًا، والاتهام جاهز: "أنتِ لا تحترمين معلمتك"، أرادت أن تصرخ: "لم أقصد، لستُ مسؤولة عن يدي!" لكن صوتها ظلّ حبيسًا داخلها، لا يسمعه أحد. عادت إلى البيت تجر خطواتها، همست بخجل: "السلام عليكم". لكن أمها ردّت بغضب: "لا سلام ولا كلام! المديرة تقول بنتك ما تحترم أحد". كأن الأرض انسحبت من تحت قدميها، لم تسألها أمها: ما الذي حدث؟ بل انهالت باللوم أمام الجميع: "وش جاك؟ وش ذا الحركات؟". كانت سارة تبحث عن نظرة واحدة تحتضن ضعفها، عن كلمة تُشعرها أن ما حدث لم يكن بيدها، لكنها لم تجد سوى شعورٍ بالخذلان، وكأنها تُركت وحدها في مواجهة تهمة بلا دفاع. ومضت الأيام... والرجفة في يديها تكبر يومًا بعد يوم، حتى جاء صباحٌ وهي تستعد لارتداء مريول المدرسة، فإذا بالارتعاش يغزو جسدها الصغير كله، لا يرحم يدًا ولا قدمًا، ثم سقطت مغشيًا عليها، وفقدت وعيها، وحين فتحت عينيها، كان أول ما رأته ابتسامة طبيب هادئة: "الحمد لله على السلامة". التفت إلى والديها وقال بصوت مطمئن: "لقد أصيبت بنوبة صرع". حدّقت سارة إليه بعيون تملؤها الحيرة، لم تكن تعرف معنى الكلمة، لم تفهم كيف يمكن لشيء غامض أن يسيطر على جسدها هكذا، لم يكن بيدها أن تبحث أو تقرأ كما هو ممكن اليوم، لم يكن في يد طفلة إلا الخوف... خوف من جسد لم يعد لها سلطان عليه. وبمرور الوقت، تعايشت مع المرض وفهمت أن الصرع ليس مرضًا عاديًا... إنه نمل أسود شرس يزحف في جسدك بلا استئذان. تبدأ حركته خفية، كأن الأرض تهتز تحت عروقك، ثم فجأة ينقضّ، يطيح بك أرضًا كغصن هشّ في مهبّ ريح عاصفة، يسلبك وعيك، يسرق جسدك، ويجعلك غريبًا عن نفسك. تتقوس أطرافك، يعضّك الألم بأسنانه الخفية، والناس من حولك ينظرون في ذهول، لا يعرفون كيف يوقفون عاصفة لا تُرى. تشعر أنك مجرد جسد مُلقى، تُحركه قوة غامضة كأنك دمية بين أيدٍ خفية، تطرق الأرض بجسدك دون أن تدري، وتتمنى لو أن النمل يتوقف، لو أن الحرب تنتهي. 1