في زمن تتسارع فيه التحولات، ويغيب فيه الاهتمام الحقيقي بالكلمة الشعرية، يطل مشروع خيمة المتنبي كواحة وارفة في قلب الصحراء، يظلل الشعراء الشباب، ويمنحهم فسحة من الأمل والإبداع. هذا المشروع، الذي يشرف عليه الشاعر الكبير جاسم الصحيح، لم يأتِ صدفة ولا كان مجرد فكرة عابرة، بل هو حلم ثقافي يسعى إلى إعادة الشعر إلى مكانته الطبيعية: مساحة للتعبير، وسُلّمًا للتواصل الإنساني، ومنصة تُسمِع صوت الشاعر إلى الناس. خيمة المتنبي ليست مجرد اسم، بل رمزٌ لمعنى أعمق؛ فهي تحمل في طياتها عبق التاريخ الشعري الذي شكّل هوية العرب، وتستدعي روح المتنبي الذي كان صوته أكبر من حدود زمانه ومكانه. واليوم، تستلهم هذه الخيمة تلك الروح، لتفتح أبوابها أمام المواهب الشابة، وتمنحهم فرصة أن يولدوا من جديد عبر دواوين شعرية تُصْدَر برعايتها. وما يميز المشروع أنه لا يكتفي بنشر الكتب فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى إقامة حفلات تدشين تليق بالمؤلفين الشباب، وتنظيم أمسيات شعرية تجعلهم على تماس مباشر مع الجمهور، فيتذوق القارئ والمستمع إبداعهم، ويمنحهم بدوره دفعة من التشجيع والدعم. إن الدعم الذي يقدمه الشاعر الكبير جاسم الصحيح ورفاقه من الأسماء الشعرية اللامعة في الأحساء، عبر خيمة المتنبي، ليس مجرد مبادرة عابرة، بل هو مزج فريد بين خبرة الكبار وتميزهم، وحماس الشباب وعطائهم. ومن هذا التلاقي الإبداعي، أنجبت الأحساء الولادة شعراء شبابًا حملوا بصماتهم الخاصة، وأثبتوا حضورهم وتأثيرهم في الساحة الأدبية. كما أن الأمسيات والإصدارات لا تقتصر على فئة بعينها، بل تمتد لتشمل الشعراء والشاعرات المتميزين في الأحساء، لتكون الخيمة مظلة جامعة، تفتح ذراعيها لكل صوتٍ شعري صادق يستحق أن يُسمع. إنها تجربة رائدة تثبت أن الكلمة ما زالت قادرة على أن تجمع القلوب وتُحيي الذائقة. ولعل أجمل ما في هذه الخيمة أنها تحوّل الحلم الفردي للشاعر الشاب إلى حقيقة، وتُشعره أنه ليس وحيدًا في دربه، بل هناك مظلة أدبية تؤمن به وترافقه في بداياته. خيمة المتنبي بهذا المعنى ليست مجرد مشروع أدبي؛ بل هي رسالة ثقافية عميقة: رسالة تقول إن الشعر حيٌّ ما دام هناك من يتبناه، وإن الكلمة الصادقة قادرة على أن تجد طريقها متى ما وجدت من يضيء لها شمعة.