ليس من السهل على الأب أو الأم أن يجدوا مكاناً يودعون فيه أبناءهم فتطمئن قلوبهم وكأنهم في منازلهم. لقد بحثت مطولاً في هذه الإجازة عن فضاء يغرس في عقول أبنائي وأرواحهم الأمان والمعرفة، مكان يتجاوز حدود الترفيه العابر ليصنع لهم المعنى ويستثمر في شخصياتهم. فإذا بي أقف أمام تجربة تضاهي العالمية وتتفوق عليها، تجربة صنعتها أيادٍ من أبناء هذا الوطن لأجل أبنائه. إنها "آفاق الدرعية"؛ اسم لم يكن مجرد عنوان لنشاط، بل نافذة على المستقبل، وذاكرة تحتضن الماضي، ورسالة تترجم الانتماء في أبهى صوره. من لحظة الدخول إلى لحظة الخروج، يأسرك التنظيم الدقيق والتنسيق المتقن والجودة في كل التفاصيل. كادر من المشرفين والقائمين أدّوا رسالتهم بروح وطنية صادقة، فجعلوا من البرنامج مساحة آمنة وملهمة حتى شعرت أن أكثر مكان أماناً بعد بيتي هو "آفاق الدرعية". حقاً، كان الاسم على مسمى؛ لم يكن مجرد عنوان، بل أفق حقيقي فُتح أمام أبنائنا، فجعل من كل قسم نافذة على عالم أوسع، ومن كل نشاط خطوة نحو وطن أجمل. لقد نجح البرنامج في ترجمة معنى الانتماء عملياً، فغرس حب الوطن في نفوس الناشئة بأسلوب لا يُمحى. انتقل أبناؤنا بين محطات ثرية: ففي التراث يسافر الطفل عبر الزمن ليقرأ حكاية وطنه محفورة التفاصيل، ويتعرف على تقنيات البناء التقليدي والعوامل التي صنعت هوية المجتمع. ومن هناك إلى الفضاء، حيث يحلق بخياله إلى ما وراء النجوم، يتأمل أسرار الكون، ويستعيد ما فعله أجدادنا الأوائل في قراءة النجوم، ليربطه بما وصلنا إليه اليوم من رحلات فضائية، فيصنع لنفسه موقعاً بين رواد فضاء المستقبل. ثم ينتقل إلى محطات الإبداع والقيادة عبر ورش المناظرات، والعمل التطوعي، وفنون الإلقاء والخطابة، ليكتسب أدوات القائد المبدع. ومن هناك إلى العلوم والبيئة، حيث يتعلم الطفل كيف يحمي الأرض ويصون مواردها من خلال تجارب علمية وابتكارات مذهلة. ثم تحمله التجربة إلى الرياضة بما فيها من أسرار وقدرات على تعليم الانضباط وأصول القوة البدنية، مدركاً أنها ليست مجرد هواية بل ثقافة حياة. وبعدها يجد الطفل مساحته المميزة في الفنون والتعبير عن الذات من خلال التصوير والتمثيل وصناعة الأفلام والإنتاج الإبداعي، فيكتشف عالماً يحاكي إبداعه ويمنحه صوتاً وصورة. إن "آفاق الدرعية" ليس مجرد برنامج صيفي، بل فلسفة وطنية في الاستثمار بالإنسان، وتجسيد حي لرؤية تجعل من المعرفة والإبداع والرياضة والقيادة طريقاً لبناء جيل مختلف. إنه وطن مصغَّر في قلب كل طفل، وتجربة راسخة في الذاكرة لأنها زرعت الانتماء والاعتزاز، وفتحت أبواب المستقبل أمام عيون صغيرة تحمل أحلاماً كبيرة. وإذا كان النجاح يُقاس بجودة الأثر، فإن هذا البرنامج أثبت أنه يتجاوز التوقعات؛ إذ لم يمنح أبناءنا معرفة فحسب، بل منحهم معنى أيضاً. كل الشكر لهيئة تطوير بوابة الدرعية على هذا العمل العظيم، والشكر موصول لشركاء المسارات الذين صنعوا معاً لوحة متكاملة: مركز الملك عبدالعزيز للحوار الحضاري، وكالة الفضاء السعودية، أكاديمية مهد الرياضية، المركز العلمي. لقد اجتمعوا جميعاً ليؤكدوا أن مستقبل الوطن يبدأ من أفق طفل، وأن "آفاق الدرعية" أصبح اسماً عنواناً لهذه الرسالة. تجربة مثرية للأطفال في استثمار مواهبهم فضاء معرفي يغرس الانتماء