تحول كبير يحدث اليوم بين الصينوالهند، وقطعاً سببه الرئيس هو الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي فاجأ الهند بتعريفات جمركية عالية وهي المتهمة بعرقلة أهداف دول بريكس التي لا ترغب بها الولاياتالمتحدة، فاليوم وزير الخارجية الصيني وانغ يي، في الهند استباقاً لزيارة رئيس الوزراء الهندي مودي، إلى الصين، وهي ليست زيارة عادية، فهي الأولى بعد سنوات من آخر زيارة له، وتأتي الزيارة بعد أحاديث متداولة عن نية الهند سعيها التعامل بعملتها المحلية بدلاً من الدولار الأميركي، الأمر الذي يكره ترمب سماعه، ولكن الخارجية الهندية أكدت أنه من غير المخطط إلغاء الدولار في العلاقات مع دول بريكس، وإنما التركيز هو على تنويع طرق الدفع وليس الاعتماد على العملة الأميركية فقط، كذلك تسهيل تسديد المدفوعات بالروبية في العلاقات مع روسيا، من خلال آلية الروبية - الروبل، لتجنب الاعتماد على الدولار وتحفيز التجارة الثنائية، وبعد الزيارة المقبلة إلى الصين قد يكون هناك توجه جديد في هذا الجانب، مع دعم بكين لموضوع العملات. التقارب الصينيالهندي ليس شأناً عادياً بالنسبة لدول الجنوب العالمي، فهناك الكثير من الدول في هذا الجزء من العالم، ولكن لا توجد دولة منها تضاهي الصين أو الهند، والدولتان هما جوهر مجموعة بريكس، وهذا يعني جنوباً عالمياً أكثر قوة، وبالتالي صوت أقوى للجنوب العالمي في قضايا التجارة العالمية، والاقتصاد، والبيئة، وصنع السلام. الأمر الأكثر أهمية وملاحظة، هو أن الصينوالهند تستطيعان تجاوز اضطرابات حروب ترمب الجمركية بسهولة أكبر، فهما معاً تُمثلان 37 % من البشرية، وتمثلان الغالبية العظمى من النمو الاقتصادي العالمي الحالي، وهما متضررتان سوياً من هذه الارتفاعات، وتقاربهما -رغم الخلافات- قد يكون حائطاً منيعاً يخفف الضرر المتوقع من التعريفات العالية. لو حدث التصالح والتقارب، وعادت العلاقات أقوى من قبل، فهذا يعد بعودة كبيرة في التواصل بين الشعبين، على المستوى السياحي والتجاري وحتى الإعلامي، سنقرأ الحدث الهندي من وجهة نظر صحفي صيني مقيم في الهند، والعكس كذلك، ورغم معاداة الكثير من الهنود للصين تبعاً للحروب والمناوشات الحدودية السابقة، وجهل الكثير من الصينيينبالهند، إلا أنها تظل مشكلات حدودية ذات أهمية اقتصادية أو استراتيجية ضئيلة، بل المناطق المتنازع عليها ربما لم تطأها قدم هندية أو صينية من قبل، وهي عقبات يمكن تجاوزها أو تأجيلها لأجيال لاحقة قد تجد حلولاً أفضل لها. قد لا يحدث تزاوج بين الصينوالهند أبداً، بل ربما هذا الوارد بقوة، فالاختلافات الثقافية شاسعة، والتاريخ من الشحن والعداء موجود وسيظل، لكن يُمكن للبلدين أن يسعيا إلى زواج مصلحة، زواج قائم على الاحترام والمنفعة المتبادلة، المنفعة الكبرى التي تجعل منهما شريكين متنافسين ومتعاونين في آن، يفرضان حضورهما كقطب مزدوج في النظام العالمي. * كاتب وباحث في الشؤون الصينية