لو أردنا أن نتأمل الكلمتين: "كاتب/ مؤلف" وهل هناك تمايز بينهما؟ نجد أنه في الاستعمال المعاصر هناك تمايز نسبي بين الكاتب والمؤلف، وإن كان المصطلحان يتداخلان في أحيان كثيرة: الكاتب: يُطلق غالباً على من يمارس الكتابة بانتظام، سواء في الصحافة أو الأدب أو الفكر، فصفة "كاتب" تعني مهنة أو هوية مستمرة، حتى لو لم يُصدر كتباً. فالكاتب قد يكتب مقالات رأي أو مقالات عامة، أو قصصاً قصيرة، أو نصوصاً متفرقة. أما المؤلف: فيُستخدم هذا التعبير عادة للدلالة على من يؤلف كتاباً أو مؤلفاً محدداً، "التأليف" يرتبط بالفعل الإنجازي بإخراج كتاب أو عمل علمي/ أو أدبي كامل، بينما "الكتابة" يمكن أن تبقى ممارسة جزئية أو غير مكتملة، لذلك يقال: "فلان كاتب صحفي" بينما يقال: "فلان مؤلف كتاب كذا". بالتالي: الكاتب هو صفة مستمرة للهوية، بينما المؤلف يرتبط بإنجاز محدد. ولو نظرنا لهذين المصطلحين لدى الفكر العربي القديم، سوف نجد أن التراث العربي كان يعطيهما دلالات مختلفة: فالكاتب في الفكر العربي القديم: ارتبط أساساً ب"الكتّاب" أي الذين يعملون في ديوان الإنشاء والرسائل في العصور الأموية والعباسية. كان "الكاتب" منصباً رفيعاً له قيمة سياسية وأدبية، لأن صاحبه يحرر رسائل الخلفاء والسلاطين، ويُتقن فنون البلاغة، كما في أدب عبد الحميد الكاتب وابن العميد. لذلك كان "الكاتب" أشبه بمثقف السلطة أو أديب البلاط، وله سمعة في البيان والفصاحة. أما المؤلف فهذا المصطلح لم يكن شائعاً بصفته اللقبية كما اليوم، بل كان يُستخدم للتعبير عن من "ألّف" كتاباً، أي جمع علماً أو نظماً أو موضوعاً في مصنف؛ فابن النديم في "الفهرست" مثلاً يستعمل لفظ "المؤلف" بمعنى واضع الكتاب. لذا، كان "المؤلف" أقرب لما نسمّيه اليوم "المصنِّف"، وهو الذي يُنتج معرفة مدونة، سواء في الفقه أو النحو أو الأدب أو الفلسفة. أما لو أردنا أن نقارن بين الماضي والحاضر فيما يخص المصطلحين: ففي القديم: الكاتب هو: أديب سياسي/ إنشائي، أما المؤلف فهو مصنف للعلوم والكتب. وفي الحاضر: الكاتب فيعني هذا المصطلح هوية عامة لمن يمارس الكتابة، أما المؤلف فهو صاحب إنتاج محدد (كتاب أو دراسة أو بحث). إذاً، التحول الجوهري أن كلمة "كاتب" انتقلت من كونها وظيفة نخبوية مرتبطة بالسلطة، إلى صفة ثقافية عامة لأي شخص يكتب، بينما "المؤلف" حافظ نسبياً على جوهره كصاحب "كتاب"، لكنه لم يعد يُحصر في العلماء، بل يشمل الروائي والشاعر والباحث.