في يوم الافتتاح الخميس الماضي، يمّمت وجه سيارتي شطر بوابة جامعة الأميرة نورة للبنات، التي تحتضن الآن معرض الرياض الدولي للكتاب الذي يشترك فيه أكثر من 2000 دار نشر محلية وعربية. توقّعت أن يكون توقيت الثامنة مساءً مناسباً خاصة، وأن أمامي أربع ساعات على الأقل حتى موعد إغلاق المعرض الثانية عشرة منتصف الليل. قضيت ساعة على الأقل داخل سيارتي وأنا أقودها خلف أرتال السيارات التي تتحرك ببطء بين مدخل البوابة الرئيسية رقم 2، حتى وصولي للمواقف البعيدة عن المعرض. استخدمت حافلة النقل الترددي مع عشرات الزائرين التي يبدو أنها ستسلك نفس الطريق الذي قطعته بسيارتي قبل قليل؛ الأمر الذي قرّرت فيه عند منتصف الطريق بالنزول من الحافلة؛ لأن قطع الطريق ماشياً أسرع من الحافلة، وقد داعبت بالفعل أحد الذين فضّلوا أن يكونوا من القاعدين بهذه الطرفة الساخرة، التي أطلقها عادل إمام في إحدى مسرحياته، بعد أن واجهته لاحقاً في مدخل المعرض. في المدخل الرئيس للمعرض، استقبلني شاب جميل بابتسامة عريضة، وهو يطلب مني التسجيل في التطبيق الخاص بشراء تذكرة الدخول للمعرض. التذكرة مجانية لكن يجب الحصول عليها من التطبيق. فتحت التطبيق وحاولت شراء التذكرة لكن قبل الحصول على التذكرة، كان لابد من الإجابة على سؤال يتعلق بتحديد فريقي المفضل محليًا. أجبت على مضض عن فريقي المحلي الذي أفضله لكي أنتقل للخطوة التالية، التي تتيح لي شراء تذكرة دخول المعرض. لكن التطبيق جرجرني إلى خطوة أخرى وهي ضرورة تحديد فريقي المفضل العالمي (أي برشلونة ومانشستر يونايتد وهلم جرا). بحثت عن أيقونة تحمل عبارة"تخطّي" دون جدوى. كانت خلفية التطبيق سوداء، وكان الوقت ليلاً فكان الأمر أشبه بظلمات بعضها فوق بعض. وجدت أخيراً هذا الخيار فأنا لا أشجّع الأندية العالمية. انتقلت إلى الخطوة التي تليها والتي تتعلق بتحديد أساطير الموسيقى العرب والعالميين الذين أطرب لهم، لكن الطامة الكبرى هنا أنه لا يوجد خيار تخطّي هذه الخطوة. يئست من الحصول على التذكرة؛ فذهبت لنفس ذلك الشاب الذي ساعدني بالحصول عليها بضغطات سريعة على تلك الأيقونات الرقمية المعقّدة. دخلت أخيرًا المعرض الذي كان بجناحين رئيسيين كبيرين؛ أحدهما نحو اليمين والآخر نحو الشمال ويتوسّطهما عدد قليل من المقاهي والبوفيهات الصغيرة. نظرت إلى الساعة ووجدت أمامي ساعتين تقريبًا قبل إغلاق المعرض إذا أخذنا بعين الاعتبار رحلة الإياب للمواقف المجهولة التي تقبع فيها السيارة. دخلت الجناح الأيمن من المعرض وغبت في فهارس الكتب والعناوين ورائحة الكتب الورقية العذبة. ذهب كل التعب الذي شعرت به في الطريق نحو المعرض، ولم يعد يهمّني كيف ستكون رحلة الإياب إلى السيارة. كنت مشغولاً برحلة عقلية أخرى أتنقّل فيها بين العناوين والفهارس التي يمكن أن تملأ بعض الفجوات أو الفضول أو الأسئلة في خريطة التفكير التي تراكمت عبر السنين. أكثر من 2000 دار نشر! وفي مكان واحد! هذا رقم مهول يستحق عناء العودة من جديد اليوم وكل يوم طوال أيام المعرض.