الإسلام دين الأمن والإخاء، ودين عمارة الأرض بالعدل والبناء، وعمارة القلوب بالرضا والشكر. جاء ليصون الحقوق ويردع الظلم، ويمنع العدوان والإفساد، فحرَّم كل ما يضر بالإنسان أو الحيوان أو البيئة، ليبقى الوجود في وئام يسوده العدل ويشيع فيه الفضل بين العباد. وقد عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم حياته كلها داعيًا إلى السلام قولًا وعملًا، فكان في هديه وسيرته تجسيد لمعاني الرحمة والتسامح، يحثّ المسلمين على السلام باعتباره مبدأ وغاية. جعل السلام شعار المسلم مع نفسه ومع غيره، حتى ختم الصلاة بتحية السلام، لتبقى الكلمة رمزًا للأمان والطمأنينة. والسلام هو شعار الأنبياء كافة، وهو اسم من أسماء الله الحسنى، ومن استظل بظلاله عاش بسلام في الدنيا، وتهيأ له دار السلام في الآخرة حيث الأمن والرضا والسكينة. ويمتد مفهوم السلام في الإسلام من الفرد إلى المجتمع، فيقوم على المودة والرحمة والتعاون، وتجنّب الصراعات التي تهدد استقرار الناس. لذلك دعا الإسلام إلى صلة الأرحام، وبناء الأسرة على أساس المودة والسكن، لتكون نواة آمنة يستمدّ منها المجتمع قوته وتماسكه. وحين يسود السلام بين الأفراد، تتعزز قيم التضامن والتكافل، ويتحقق الأمن الاجتماعي، فيغدو المجتمع عنصرًا فاعلًا في إرساء السلام العالمي كما أراده الإسلام، الذي اعتبر الإنسانية أسرة واحدة، والمؤمنين أمة واحدة يجمعهم العدل والإحسان. رسالة الإسلام رسالة رحمة وسلام موجهة إلى البشرية جمعاء، لا تبدأ بالعدوان، وإنما تقوم على الحق والعدل. فليس القتال في الإسلام سبيلًا للغزو أو الهيمنة، وإنما لردّ الظلم ورفع العدوان. ومن ثم، فالسلام ليس شعارًا اجتماعيًا عابرًا، بل هو عقيدة راسخة ومقصد شرعي عظيم، تجسّد فيه مقاصد الشريعة في حفظ النفس والكرامة والحقوق، وهو تحية المؤمنين وعهد الأمان بينهم وبين الناس جميعًا. السلام الذي ينشده البشر ليس كلمات تُقال أو شعارات تُرفع، بل هو مشروع حياة يقوم على العدل وصون الكرامة الإنسانية، وهو السلام الذي تحتاجه الإنسانية اليوم في عالم يموج بالأزمات والحروب. فمن فلسطين إلى السودان، تتجلى الحاجة الماسة إلى قيم الإسلام التي تدعو إلى نصرة المظلوم وإرساء العدل والرحمة. فالقضية الفلسطينية تظل المثال الأوضح على غياب العدالة، إذ يُحرَم شعب كامل من أرضه وكرامته وتُغتصب حقوقه على مرأى العالم، بينما تقف المنظمات الدولية موقف العاجز أو المتواطئ، مكتفية ببيانات الشجب والإدانة، دون أن تضع حدًا لمعاناة ملايين البشر. ونصرة الفلسطينيين ليست مجرد موقف سياسي، بل هي امتداد طبيعي لرسالة الإسلام التي ترفض الظلم وتدعو إلى سلام يقوم على الحق والإنصاف. وفي السودان، تبرز مأساة أخرى من مآسي العصر، حيث تحولت الصراعات المسلحة إلى كارثة إنسانية أودت بحياة الآلاف وشردت الملايين، فتمزق النسيج الاجتماعي وتوقفت مسيرة البناء والتنمية. والإسلام يرفض هذه الفتن، ويدعو إلى إصلاح ذات البين، وحقن الدماء، ورأب الصدع، غير أن المجتمع الدولي ما زال عاجزًا عن إيقاف نزيف المعاناة وفرض حلول تعيد الأمن والاستقرار. وإذا كانت الأممالمتحدة قد اتخذت يوم 21 سبتمبر يومًا عالميًا للاحتفال بالسلام، فإن الإسلام سبق كل المنظمات والدول في الدعوة إلى السلم، وجعل منه نهجًا عمليًا للحياة ورسالة خالدة للبشرية، أساسها الرحمة، وغايتها أن يعيش الإنسان آمنًا كريمًا في ظل العدل والفضيلة.