في ظل تسارع التحولات العالمية وتزايد الاعتماد على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، تبرز وزارة التعليم السعودية بمشاريع طموحة تهدف إلى إحداث نقلة نوعية في المنظومة التعليمية. ولكن هل هذه الخطوات كافية لمواكبة المستقبل؟ وهل ستُترجم هذه القرارات إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع؟ لا شك أن إدراج منهج الذكاء الاصطناعي في جميع المراحل الدراسية، واعتماد الأمن السيبراني كمسار اختياري للمرحلة الثانوية، يمثلان تطورًا استراتيجيًا يُحسب للوزارة. ففي عالم تُهيمن عليه البيانات والتقنيات الحديثة، أصبحت هذه المهارات ضرورة وليست رفاهية. لكن السؤال الأهم: هل المعلمون مؤهلون لتدريس هذه المواد؟ نعم، هناك 520 ألف فرصة تدريبية للمعلمين، لكن التدريب على الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني يتطلب خبرات متخصصة، وليس مجرد دورات عامة؟ هل ستستعين الوزارة بشركات عالمية لتأهيل الكوادر؟ وهل سيكون هناك تعاون مع جامعات رائدة مثل MIT أو ستانفورد في هذا المجال؟ والإعلان عن 120 مدرسة جديدة و75 مشروعًا بتكلفة 920 مليون ريال يُظهر حرصًا على تطوير البيئة التعليمية.. كما أن جذب استثمارات بقيمة 50 مليار ريال خلال خمس سنوات يُعتبر إنجازًا يُحسب للقطاع التعليمي.. لكن التحدي الأكبر هو جودة هذه المدارس واستدامتها. فالكثير من مشاريع الشراكة مع القطاع الخاص تواجه مشاكل في الصيانة أو الخدمات بعد التشغيل. كما أن تقليص الإدارات التعليمية إلى 16 إدارة قد يُحسّن الكفاءة، لكنه قد يُثقل كاهل الإدارات المتبقية إذا لم يُرافقه نظام إلكتروني متكامل لإدارة العمليات. ومبادرة ابتعاث الإعلام بالشراكة بين وزارتي التعليم والإعلام تُعد خطوة إبداعية، خاصة في ظل الحاجة إلى كوادر سعودية مؤهلة في الإعلام الرقمي والذكاء الاصطناعي. لكن التجربة تُثبت أن بعض برامج الابتعاث تواجه مشاكل في التوظيف بعد العودة.. وهل ستكون هناك شراكات فعلية مع شبكات مثل CNN أو BBC أو منصات مثل Netflix لضمان تدريب عملي ذي جودة؟ وجاءت العودة إلى نظام الفصلين الدراسيين بعد دراسة شاملة يُعتبر قرارًا مدعومًا بأبحاث تربوية، خاصة أن النظام الثلاثي كان يُسبب إرهاقًا للمعلمين والطلاب.. لكن النجاح سيعتمد على: 1- جودة المناهج: هل ستكون مختصرة أم ستحافظ على العمق التعليمي؟ 2- البيئة المدرسية: هل ستوفر المدارس أنشطة تكميلية تعوض أي نقص في الأيام الدراسية؟ 3- التقويم المستمر: هل سيكون هناك نظام تقييم مرن يعكس فهم الطالب وليس الحفظ؟ لا يُمكن إنكار أن وزارة التعليم تبذل جهودًا جبارة في التطوير، لكن التحدي الحقيقي هو ضمان الجودة والاستدامة. فإدخال الذكاء الاصطناعي دون معلمين مؤهلين، أو بناء مدارس جديدة دون صيانة دورية، أو ابتعاث طلاب دون ضمان توظيفهم، كلها أمور قد تحوّل هذه المشاريع إلى هموم جديدة دون تأثير حقيقي. المملكة تمتلك الإمكانات، والرؤية واضحة، والتركيز ينصب على آليات التنفيذ والمتابعة.. فقط حينها سنرى تعليمًا يُخرّج جيلًا قادرًا على قيادة المستقبل.