ينظر الروس إلى ألاسكا، التي كانت في يوماً من الأيام جزءًا من بلدهم، نظرة العرب إلى إسبانيا، باعتبارها خسارة لا تعوض. ولكن القمة التاريخية التي عقدت يوم الجمعة الماضي بين الرئيس الأميركي والروسي، ربما تعوض الروس، وتفتح صفحة جديدة في العلاقات بين الولاياتالمتحدة وبلدهم. وأنا أذكر في سبتمبر من العام الماضي الصمت المطبق، في المدرسة العليا للاقتصاد بموسكو -وقتها كانت الحملة الانتخابية في الولاياتالمتحدة على أشدها- عندما طرحت أمام بعض الخبراء الروس أثناء تناول القهوة خلال فترة الراحة بين الفعاليات، أن المستقبل قد يشهد تقارب روسي-أميركي. وقتها كنت أرغب في الاستماع إلى رأيهم والاستفادة من خبرتهم، حيث كنت أتوقع أن يعترضوا على التقارب مع الولاياتالمتحدة فالعلاقات بين واشنطن وموسكو كانت حينها في أشد توترها. ولكن ردة الفعل كانت الصمت، وذلك بعكس الموضوعات الأخرى التي تحدثنا عنها. والصمت، مثلما نعرف، هو علامة الرضا. بالفعل، فإن الحفاوة التي استقبل بها بوتين على أرض الأجداد لم يحظ بها أي رئيس أوروبي زار أميركا، خلال هذا العام. وربما تكون هذه اللحظة التي تابعناها عبر شاشات التلفزيون، رغم تأخر الوقت، هي واحدة من الأسباب التي أدت إلى فوز ترمب في انتخابات العام الماضي 2024، لإخراج الولاياتالمتحدة مرفوعة الرأس من الورطة التي وضعت نفسها فيها بين روسيا وأوكرانيا. فروسيا التي هزمت نابليون وهتلر، كما قال ترمب، يصعب على على أي دولة أخرى إلحاق الهزيمة بها. ولذلك فمن المتوقع، أن تؤدي النتائج التي تمخضت عنها قمة ألاسكا، وهذا لن نعرفه على الفور، إلى تحسن في العلاقات بين الولاياتالمتحدةوروسيا. فإذا تحقق ذلك، فسوف يذوب الجليد أو بعضه بين هذه الأخيرة وأوروبا. وهذا سيغير الكثير. فأوروبا، في اختلافها عن الولاياتالمتحدة ليس لديها اكتفاء ذاتي في الكثير مما تحتاجه من الموارد، وعلى رأس ذلك، يأتي النفط ومصادر الطاقة. وهذا يهمنا أكثر من غيره، بالإضافة إلى إمدادات الغذاء والحبوب، وأهمها القمح والشعير، التي اضطربت أسواقها نتيجة الحرب الروسية-الأوكرانية. فروسيا تعتبر من أكثر البلدان غناء بموارد الطاقة، وهي تعتبر من كبار مصدري الغاز والنفط في العالم. كذلك فإن روسيا وأوكرانيا مصدران ضخمان للحبوب وكثير من بلدان الشرق الأوسط تعتمد بنسبة كبيرة على واردات الحبوب منهما. ولذلك، فإن وقف الأعمال القتاليّة بين روسيا وأوكرانيا، من شأنه أن يعيد من جديد خطوط الإمدادات، وخاصة المباشرة، التي تقطعت نتيجة الحرب. وهذا ربما يؤثر على أسعار الطاقة بالسالب وهو أمر غير مريح للبلدان المصدرة للنفط والغاز. وبالعكس، فإن انخفاض أسعار الحبوب سوف يكون أمر مرحب به، فهو سوف يكبح جماح التضخم.