وزير الصحة يبدأ زيارة رسمية إلى أستراليا    تكليف الدكتور محمد الغزواني مساعدًا لمدير تعليم الحدود الشمالية للشؤون التعليمية    الذهب يرتفع بفعل ضعف الدولار رغم التراجع الأسبوعي    إحباط تهريب 28.9 كجم كوكايين بميناء جدة    مستشفى جازان العام وجمعية التغذية العلاجية يحتفيان بأسبوع الرضاعة الطبيعية    بايرن ميونيخ يؤكد اقتراب النصر من ضم كومان    الشيخ عبدالله البعيجان: استقبلوا العام الدراسي بالجد والعمل    الفريق الفتحاوي يستأنف تدريباته على فترتين لرفع الجاهزية الفنية والبدنية    الشيخ بندر بليلة: احذروا التذمر من الحر فهو اعتراض على قضاء الله    خادم الحرمين الشرفين وولي العهد يهنئان رئيس الكونغو بذكرى الاستقلال    جامعة جازان تعلن نتائج القبول في برامج الدراسات العليا للفترة الثانية    أمين جازان يتفقد مشاريع التدخل الحضري ويشدّد على تسريع الإنجاز    قمة مرتقبة بين ترامب وبوتين اليوم    رئيس كوريا الجنوبية يدعو إلى تخفيف التوترات مع كوريا الشمالية    امطار على الجنوب و حرارة على مناطق المدينة والشرقية    مقصورة السويلم تستضيف المهتم بعلوم النباتات عبدالله البراك"    اقتصاد اليابان ينمو بأكبر من المتوقع    انطلاق الأسبوع السادس من كأس العالم للرياضات الإلكترونية    تركيا تندد بخطة الاستيطان الإسرائيلية    بيع 3 صقور ب 214 ألف ريال    المملكة توزّع (600) سلة غذائية في البقاع بلبنان    رسمياً .. العبسي اتحادياً حتى 2029    الاستثمار الأهم    الهلال يختتم المرحلة الأولى من برنامجه الإعدادي في ألمانيا    النوم عند المراهقين    السعال الديكي يجتاح اليابان وأوروبا    الهلال يكسب ودية" فالدهوف مانهايم"الألماني بثلاثية    المملكة تتوّج بالذهب في الأولمبياد الدولي للمواصفات 2025 بكوريا    أمير منطقة الباحة يستقبل الرئيس التنفيذي لبنك التنمية الاجتماعية    محمد بن عبدالرحمن يعزي في وفاة الفريق سلطان المطيري    الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تنظم حلقة نقاش بعنوان: (تمكين الابتكار الرقمي في العمل التوعوي للرئاسة العامة)    نائب أمير جازان يستقبل مدير مكتب تحقيق الرؤية بالإمارة    اليوم الدولي للشباب تحت شعار"شبابُنا أملٌ واعد" بمسرح مركز التنمية الاجتماعية بجازان    أحداث تاريخية في جيزان.. معركة أبوعريش    نائب أمير جازان يلتقي شباب وشابات المنطقة ويستعرض البرامج التنموية    زراعة أول نظام ذكي عالمي للقوقعة الصناعية بمدينة الملك سعود الطبية    استقرار معدل التضخم في السعودية عند 2.1% خلال شهر يوليو 2025    في إنجاز علمي بحثي.. خرائط جينية جديدة تُعزز دقة التشخيص والعلاج للأمراض الوراثية    الصين تطلق إلى الفضاء مجموعة جديدة من الأقمار الصناعية للإنترنت    حظر لعبة «روبلوكس» في قطر    19 % نمواً.. وإنجازات متعاظمة للاستدامة.. 3424 مليار ريال أصول تحت إدارة صندوق الاستثمارات    رئيس الوزراء النيوزيلندي: نتنياهو فقد صوابه وضم غزة أمر مروع.. «الاحتلال» يصادق على الهجوم .. وتحرك دبلوماسي للتهدئة    انطلاق ملتقى النقد السينمائي في 21 أغسطس    «البصرية» تطلق «جسور الفن» في 4 دول    موسكو تقلل من أهمية التحركات الأوروبية.. زيلينسكي في برلين لبحث القمة الأمريكية – الروسية    الشيباني: نواجه تدخلات خارجية هدفها الفتنة.. أنقرة تتهم تل أبيل بإشعال الفوضى في سوريا    تمكين المدرسة من خلال تقليص المستويات الإدارية.. البنيان: 50 مليار ريال حجم الفرص الاستثمارية بقطاع التعليم    الإطاحة ب 13 مخالفاً وإحباط تهريب 293 كجم من القات    الأسمري يزف تركي لعش الزوجية    موجز    ولي العهد ورئيس كوريا يبحثان فرص التعاون    اطلع على أعمال قيادة القوات الخاصة للأمن البيئي.. وزير الداخلية يتابع سير العمل في وكالة الأحوال المدنية    متحدثون.. لا يتحدثون    فهد بن سلطان يكرم الفائزين بمسابقة إمارة تبوك للابتكار 2025    ناصر بن محمد: شباب الوطن المستقبل الواعد والحاضر المجيد    استخراج هاتف من معدة مريض    أمير جازان يعزي في وفاة معافا    مباهاة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المياه في المملكة.. من التحدي إلى التخطيط الذكي
نشر في الرياض يوم 14 - 08 - 2025

تُعدّ المياه عصب الحياة وأحد أهم الموارد الطبيعية التي تعتمد عليها التنمية الشاملة في مختلف القطاعات، من الزراعة والصناعة إلى الصحة والبيئة والاقتصاد. وفي ظل ما تواجهه المملكة العربية السعودية من تحديات بيئية ومناخية أبرزها شح الموارد المائية وارتفاع معدلات الاستهلاك والنمو السكاني المتسارع، برزت الحاجة إلى تبني استراتيجية وطنية شاملة لإدارة هذا المورد الحيوي بشكل مستدام وفعّال. ومن هنا، جاءت رؤية المملكة 2030 لتضع قطاع المياه ضمن أولوياتها الاستراتيجية، ليس فقط لضمان استمرارية الإمداد وتحقيق الأمن المائي، بل أيضًا لإعادة هيكلة القطاع وتحديث بنيته التحتية وتحسين كفاءته التشغيلية والاقتصادية، لقد أدركت القيادة الرشيدة أن الاستدامة المائية لا تقتصر على توفير المياه فحسب، بل تشمل أيضًا استخدام الموارد المتاحة بكفاءة، وتطوير مصادر غير تقليدية، مثل تحلية مياه البحر، وإعادة استخدام المياه المعالجة، والحد من الفاقد، وتوظيف التقنيات الحديثة، وتعزيز الوعي المجتمعي بثقافة الترشيد، وبفضل هذا التوجه الطموح، أطلقت الحكومة السعودية عددًا من المبادرات والمشروعات النوعية التي تهدف إلى تطوير القطاع مائيًا وتنظيميًا وتشغيليًا، ما أسهم في رفع كفاءة الخدمة، وتوسيع التغطية، وتحقيق قفزات نوعية في الأداء، كما عزّزت رؤية 2030 من دور القطاع الخاص في الاستثمار في مشروعات المياه، وحرصت على بناء شراكات فاعلة بين القطاعين العام والخاص، مما ساعد في دفع عجلة الابتكار وتحقيق النمو المستدام. وتم ربط قطاع المياه بشكل وثيق بالأهداف البيئية والوطنية، خاصة تلك المتعلقة بالتغير المناخي والطاقة المتجددة، مما جعل المملكة في مصاف الدول التي تسعى لتحقيق توازن بين التنمية وحماية الموارد الطبيعية.
مياه التنمية
تُعد المياه ركيزة أساسية لأي عملية تنموية، نظرًا لدورها الحيوي في دعم الاستقرار الاجتماعي والنمو الاقتصادي وحماية البيئة. وفي المملكة العربية السعودية، حيث يسود المناخ الصحراوي وتعاني البلاد من ندرة الموارد المائية الطبيعية، تتضاعف أهمية هذا المورد لتُصبح قضية مركزية ترتبط بالأمن الوطني والازدهار المستقبلي. فالماء ليس مجرد عنصر من عناصر الحياة، بل هو شرط أساسي لتحقيق التنمية المستدامة في جميع مجالات الحياة، تواجه المملكة منذ عقود طويلة تحديات كبيرة في مجال الموارد المائية، أبرزها الاعتماد على المياه الجوفية، والتباين في توزيع السكان، والتوسع العمراني، والنمو السكاني المتسارع، وارتفاع الطلب على المياه في القطاعات المختلفة. هذه التحديات دفعت الدولة إلى التفكير في حلول جذرية وغير تقليدية تضمن استدامة هذا المورد النادر، وتواكب الاحتياجات المتزايدة، وتحقق التوازن بين العرض والطلب، تؤثر المياه بشكل مباشر على مجموعة من القطاعات الحيوية، منها الزراعة، التي تُعد من أكثر الأنشطة استهلاكًا للمياه، إضافة إلى الصحة العامة التي تعتمد على توفر مياه شرب نظيفة وآمنة، وكذلك القطاع الصناعي والسياحي، حيث تتطلب المشروعات الكبرى والمجمعات الصناعية والسياحية بنية مائية متطورة. ومن هنا، فإن أي خلل في منظومة المياه يمكن أن يؤدي إلى تباطؤ في التنمية، أو تهديد للأمن الغذائي والصحي، أو تراجع في جودة الحياة للمواطن والمقيم، وعلى المستوى البيئي، تلعب المياه دورًا حيويًا في الحفاظ على التوازن الطبيعي للنظام البيئي. فاستنزاف المياه الجوفية، وتلوث مصادر المياه، وغياب الإدارة الرشيدة، كلها عوامل تسهم في الإضرار بالتربة والنباتات والحياة الفطرية، مما ينعكس سلبًا على البيئة بشكل عام. لذا فإن إدارة الموارد المائية بحكمة تُعد مسؤولية بيئية إلى جانب كونها مسؤولية تنموية، وتبرز أهمية قطاع المياه أيضًا من الناحية الاقتصادية، إذ إن ضمان توفر المياه واستدامتها يسهم في تعزيز الاستثمارات، ويزيد من تنافسية المدن والمناطق الصناعية، ويدعم الاقتصاد المحلي من خلال توفير فرص العمل، ورفع كفاءة البنية التحتية، وخفض التكاليف المرتبطة بالفقد المائي أو سوء التوزيع. فالماء هنا لا يُنظر إليه كمورد فقط، بل كعنصر محفز للاقتصاد والتنمية، ولأن التحديات التي تواجه المملكة في هذا المجال ليست آنية بل استراتيجية، جاء التركيز ضمن رؤية المملكة 2030 على بناء قطاع مائي قوي وفعّال، يُدار بكفاءة عالية، ويعتمد على الابتكار والتقنية، ويشرك القطاع الخاص، ويرفع من كفاءة الترشيد، ويضمن الاستدامة البيئية في كل مراحله. فالرؤية لا ترى الماء فقط كمورد للاستهلاك، بل كأحد المحركات الأساسية في تحقيق الطموحات الوطنية الكبرى، كما أن الأمن المائي في ظل هذه الرؤية لا ينفصل عن الأمن الغذائي، والصحي، والبيئي، والاجتماعي، بل هو متداخل معها جميعًا، مما يجعل تطوير قطاع المياه أولوية قصوى. ومن هنا جاءت مبادرات عديدة في هذا المجال لتعزيز البنية التحتية، وتوسيع مشاريع التحلية، وتحديث الشبكات، وتبني أنظمة ذكية، مما أسهم في خفض الفاقد ورفع الكفاءة وتحسين الخدمة، إن أهمية قطاع المياه في المملكة لا تكمن فقط في ارتباطه بالحياة اليومية، بل في كونه حجر الأساس في مستقبل التنمية، ومحورًا رئيسيًا في تحقيق طموحات الدولة، ومؤشرًا دقيقًا على مستوى الاستعداد لمواجهة تحديات المستقبل. لذلك فإن أي خطة تنموية شاملة لا بد أن تضع المياه في قلبها، وهو ما تم بالفعل من خلال رؤية 2030 التي أعادت تعريف مفهوم الإدارة المائية، وربطته بالاستدامة، والابتكار، والكفاءة، والحوكمة الرشيدة.
الرؤية والمياه
مع إطلاق رؤية المملكة 2030، بدأت المملكة العربية السعودية مرحلة تحول جذري في طريقة تعاملها مع التحديات التنموية، وكان من أبرز هذه التحديات وأكثرها تعقيدًا ملف المياه. فقد أدركت القيادة الرشيدة أن ندرة المياه، وارتفاع معدلات الاستهلاك، والاعتماد على مصادر محدودة وغير متجددة، تمثل معوّقات حقيقية أمام تحقيق الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية على المدى الطويل لذلك، وضعت رؤية 2030 تطوير قطاع المياه في صميم أولوياتها، كونه ليس مجرد مرفق خدمي، بل عنصر حاسم في بناء المستقبل وضمان جودة الحياة. وتركّزت توجهات الرؤية على معالجة التحديات المائية من جذورها، من خلال إصلاح البنية المؤسسية، وتحسين الكفاءة التشغيلية، وتوسيع الشراكات، وتعزيز الابتكار التقني، بالإضافة إلى رفع مستوى الوعي المجتمعي حول أهمية المياه كمورد محدود، من أبرز الأهداف التي طرحتها الرؤية في هذا القطاع، تحقيق أمن مائي مستدام، يضمن توفير المياه بشكل مستقر وآمن للأجيال الحالية والمقبلة، مع الحفاظ على الموارد الطبيعية وعدم استنزافها. كما سعت الرؤية إلى تقليل الاعتماد على المياه الجوفية غير المتجددة، من خلال التوسع في مشاريع تحلية مياه البحر، وتبني حلول لإعادة استخدام المياه المعالجة، والاستفادة من مياه الأمطار والسيول، وهو ما يُعد نقلة نوعية في التفكير المائي الوطني، وتحت مظلة الرؤية، أطلقت المملكة الاستراتيجية الوطنية للمياه 2030، والتي تُعد الإطار التنفيذي لتحقيق أهداف الرؤية في هذا القطاع. وتهدف هذه الاستراتيجية إلى توحيد الجهود، وتحديد أولويات الاستثمار، وتقنين الاستهلاك، وتطوير شبكات المياه والصرف الصحي، وتحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين. كما أكدت الاستراتيجية على أهمية المواءمة بين الطلب المتزايد والموارد المتاحة، وضرورة إدماج جميع القطاعات ذات العلاقة ضمن منظومة متكاملة لإدارة المياه، واحدة من أبرز التحولات التي أحدثتها الرؤية، هو تبنّي مفهوم الاستدامة في كل ما يتعلق بإدارة المياه، فلم يعد الهدف مجرد إيصال المياه للمستهلك، بل أصبح المطلوب هو إيصالها بكفاءة، وجودة، وبتكلفة عادلة، مع مراعاة أثر ذلك على البيئة والموارد المستقبلية. وقد تم ذلك من خلال تعزيز كفاءة الاستخدام، والحد من التسربات، واستخدام العدادات الذكية، وتطبيق التعرفة التصاعدية التي تُشجع على الترشيد، كما شملت توجهات الرؤية العمل على تحفيز الابتكار وتبني التقنيات الحديثة، كأحد الأدوات الأساسية لتطوير القطاع. فدخلت المملكة مرحلة جديدة من استخدام التكنولوجيا في مراقبة الشبكات، وتحسين جودة المعالجة، وإدارة العمليات عن بُعد، وهو ما ساهم في خفض التكاليف التشغيلية، ورفع سرعة الاستجابة للأعطال، وتحسين أداء الشبكات في المدن الكبرى والمناطق النائية على حد سواء، ولا يمكن تجاهل أن الرؤية ركزت أيضًا على تمكين القطاع الخاص من المشاركة الفاعلة في إدارة وتشغيل مشاريع المياه، من خلال أنظمة الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي في مشروعات التحلية، والمعالجة، والبنية التحتية. وقد أسهم ذلك في خلق سوق مائي أكثر تنافسية وكفاءة، يعزز من فرص الابتكار، ويخفف العبء المالي عن الدولة، توجهات رؤية 2030 في قطاع المياه لم تكن مجرد شعارات طموحة، بل تحولت إلى خطط تنفيذية واضحة ومرقّمة، ومؤشرات أداء تقيس مدى التقدم، وتتابع الأثر الفعلي للمبادرات والمشاريع. وبرز ذلك من خلال تحسين ترتيب المملكة في المؤشرات العالمية لإدارة المياه، وزيادة نسب تغطية المياه المحلاة، ورفع كفاءة استخدام الموارد، كما تم تعزيز التكامل بين قطاع المياه وقطاعات أخرى، مثل الطاقة والبيئة والزراعة، ضمن نموذج "الإدارة المتكاملة للموارد"، والذي يضمن أن تكون السياسات المائية متوافقة مع بقية مكونات التنمية، ولا تُعالج بمعزل عنها، في المجمل، فإن رؤية 2030 أعادت تشكيل مسار قطاع المياه في المملكة بشكل جذري، وأدخلته في مرحلة جديدة من الاحترافية والاستدامة والمرونة، من خلال التوجهات الواضحة، والالتزام بالتنفيذ، والشراكة المجتمعية، والاعتماد على البيانات والتقنيات. وبهذه التوجهات، بات قطاع المياه السعودي نموذجًا ملهمًا للعديد من الدول ذات الظروف المناخية المشابهة، في كيفية تحويل التحدي إلى فرصة.
تشريعات جديدة
لم يكن تطوير قطاع المياه في المملكة العربية السعودية ممكنًا دون إعادة هيكلة جذرية للمنظومة المؤسسية والتشريعية التي تُدير هذا القطاع الحيوي. ومع انطلاق رؤية المملكة 2030، اتضح أن أي إصلاح أو تقدم في إدارة الموارد المائية لا بد أن يُبنى على أسس إدارية وتنظيمية متينة، تضمن الكفاءة والشفافية وتفتح المجال للتطوير والابتكار. ومن هنا، بدأت المملكة أولى خطواتها في التحول المؤسسي والتشريعي، بوصفه شرطًا أساسيًا لتحقيق الاستدامة المائية، أحد أبرز مظاهر هذا التحول كان دمج قطاعات البيئة والمياه والزراعة تحت مظلة وزارة واحدة، هي وزارة البيئة والمياه والزراعة، بهدف تعزيز التكامل بين هذه القطاعات الثلاثة التي ترتبط ببعضها ارتباطًا وثيقًا. هذا الدمج أتاح توحيد السياسات، وتنسيق الجهود، وتجنّب الازدواجية في المشاريع والخطط، مما رفع كفاءة الإنفاق، وسهّل تنفيذ المبادرات الوطنية، إضافة إلى ذلك، جاء تأسيس الشركة الوطنية للمياه كمؤسسة تنفيذية مستقلة تتولى مسؤولية تشغيل وإدارة شبكات المياه والصرف الصحي في جميع مناطق المملكة. وقد ساهم وجود كيان مركزي متخصص في تحسين جودة الخدمة، ورفع كفاءة التشغيل، وزيادة الاعتمادية، من خلال تطبيق الأنظمة الحديثة والرقابة على الأداء. وتُعد الشركة اليوم واحدة من أبرز أذرع الدولة في تنفيذ مشروعات الرؤية ذات الصلة بقطاع المياه، أما على الصعيد التشريعي، فقد شهد القطاع سلسلة من التحديثات القانونية والتنظيمية، كان من أهمها إصدار الاستراتيجية الوطنية للمياه 2030، التي وضعت خارطة طريق واضحة لتنظيم استخدام الموارد المائية، وتقنين الاستهلاك، وضبط العلاقة بين مقدمي الخدمات والمستهلكين، وتعزيز دور القطاع الخاص. كما تم تحديث عدد من الأنظمة واللوائح، مثل لائحة ترشيد المياه، ولوائح التعرفة الجديدة، وأنظمة الرقابة على الجودة والصرف الصحي، وقد شملت هذه التحولات أيضًا إرساء مبادئ الحوكمة والشفافية، من خلال تحديد الأدوار والمسؤوليات بين الجهات الحكومية المختلفة، وإطلاق مؤشرات لقياس الأداء، وتحقيق الرقابة الفعالة على شبكات المياه، وجودة الخدمة المقدمة، والامتثال للمعايير البيئية والصحية. كما تم العمل على تحسين الكفاءة المؤسسية، ورفع القدرات البشرية، وتدريب الكوادر الفنية، لتكون قادرة على إدارة وتشغيل القطاع بكفاءة عالية وفق أفضل الممارسات العالمية وفي إطار هذا التحول، أصبح قطاع المياه يعمل ضمن منظومة متكاملة تشمل الأنظمة والسياسات والتشريعات والبنية المؤسسية، بما يضمن تنفيذ مشاريع الرؤية الكبرى، مثل "مشروع التحلية بالطاقة الشمسية"، ومبادرات "إعادة الاستخدام"، وتطوير "البنية الرقمية" لإدارة المياه. فالإصلاح المؤسسي لم يكن هدفًا بحد ذاته، بل وسيلة للوصول إلى قطاع مائي يتمتع بالمرونة، ويستجيب للطلب، ويضمن الاستخدام الأمثل للموارد، ولا شك أن هذه التحولات التنظيمية، بما تحمله من تحديث في الأنظمة وتطوير في الهياكل، أسهمت بشكل مباشر في رفع جودة الخدمات، وتقليل الفاقد، وزيادة كفاءة الاستثمار في القطاع، وجعلت المملكة أقرب من أي وقت مضى لتحقيق أمنها المائي بأدوات مؤسسية فعالة ومستدامة.
التحلية وبنية المستقبل
في إطار رؤية المملكة 2030، أدركت القيادة الرشيدة أن تطوير قطاع المياه لا يقتصر فقط على تحسين الإدارة والسياسات، بل يشمل بناء بنية تحتية متطورة تُلبّي الطلب المتزايد، وتُعزز من قدرات المملكة على توفير المياه بكميات وجودة عالية تلبي احتياجات السكان والصناعات المختلفة. ومن هنا، جاءت مشاريع البنية التحتية والتحلية في مقدمة أولويات الرؤية، باعتبارها مفتاح الحل لأزمة ندرة المياه التي تواجه المملكة، واحدة من أبرز المشاريع التي تعكس هذا التوجه هي مشاريع التحلية الكبرى التي شُيّدت أو تم تطويرها خلال السنوات الأخيرة، مثل محطة الشعيبة لتحلية مياه البحر، ومشروع الجبيل المتكامل، وغيرها من المحطات التي تستخدم تقنيات متقدمة في تحلية المياه، وتعمل بطاقة إنتاجية عالية تلبي احتياجات المناطق الصناعية والسكنية. هذه المشاريع اعتمدت على التكنولوجيا الحديثة، بما في ذلك استخدام الطاقة المتجددة، وخاصة الطاقة الشمسية، لتقليل البصمة الكربونية وتحقيق استدامة بيئية أكبر، كما شملت مشاريع البنية التحتية توسيع شبكات توزيع المياه وشبكات الصرف الصحي، بهدف تقليل الهدر وتحسين جودة الخدمة، خصوصًا في المدن الكبرى التي تشهد نموًا سكانيًا متسارعًا. وقد تم تنفيذ شبكات ذكية تعتمد على أنظمة مراقبة متطورة ترصد تدفق المياه وتحدد نقاط التسرب بشكل فوري، مما يساهم في رفع كفاءة الشبكة وتقليل الخسائر المائية، وفي مجال معالجة المياه، طُبقت تقنيات متقدمة لإعادة استخدام المياه المعالجة في أغراض متعددة مثل الزراعة، والصناعة، والتبريد، مما يُعد من الحلول الفعالة لخفض استهلاك المياه العذبة والحفاظ على الموارد الطبيعية. وقد تم اعتماد محطات معالجة مياه متطورة تلتزم بالمعايير البيئية والصحية، لضمان عدم تأثير المياه المعالجة سلبًا على البيئة أو صحة الإنسان، ولا يمكن إغفال مشاريع تخزين المياه التي تُسهم في استيعاب فائض الأمطار والسيول خلال فصول الأمطار، وتخزينها لاستخدامها في الفترات الجافة، وهي مشاريع استراتيجية تدعم الأمن المائي وتقلل من الاعتماد على المصادر التقليدية. وقد تم تحديث الخزانات وإنشاء أخرى جديدة بسعات كبيرة، مع اعتماد تقنيات ذكية لإدارة التخزين والتوزيع، كل هذه المشاريع لم تكن ممكنة بدون استثمارات ضخمة ودعم حكومي مباشر، إضافة إلى شراكات استراتيجية مع القطاع الخاص المحلي والعالمي، مما أدى إلى تسريع وتيرة التنفيذ وتحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع. كما رافق هذه المشاريع وضع معايير صارمة للجودة والسلامة، وضمان استمرارية الخدمة في جميع الظروف، في المجمل، يُعتبر قطاع البنية التحتية والتحلية في المملكة نموذجًا متقدمًا يجمع بين الكفاءة التقنية، والوعي البيئي، والحاجة التنموية، وقد أثبت قدرة المملكة على تجاوز التحديات المائية بالاعتماد على التخطيط السليم والتنفيذ المحكم، مما يعزز موقعها الريادي في مجال إدارة الموارد المائية على مستوى المنطقة.
لقد أثبتت رؤية المملكة 2030 قدرتها على تحويل التحديات الكبيرة التي تواجه قطاع المياه إلى فرص حقيقية للنمو والتطور، من خلال وضع استراتيجيات واضحة وشاملة ترتكز على الاستدامة والكفاءة والابتكار. لم يعد توفير المياه مجرد هدف خدمي، بل أصبح ركيزة أساسية في بناء مستقبل المملكة، وتحقيق الأمن الوطني، ورفع جودة حياة المواطنين والمقيمين، بفضل التحول المؤسسي والتشريعي، والاستثمار الكبير في مشاريع التحلية والبنية التحتية، وتبني أحدث التقنيات، والاهتمام بالترشيد والتوعية، استطاعت المملكة أن تُحدث نقلة نوعية في قطاع المياه، جعلتها نموذجًا يُحتذى به في المنطقة وعلى المستوى العالمي، ومع استمرار الجهود في تطوير القدرات البشرية، وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، والحرص على التناغم بين القطاعات المختلفة مثل البيئة والطاقة والزراعة، تبدو المملكة اليوم في موقع قوي يؤهلها لمواجهة التحديات المستقبلية وتحقيق أهدافها الطموحة، إن نجاح رؤية 2030 في قطاع المياه يؤكد أن الإدارة الحكيمة للموارد الطبيعية، والالتزام بخطط التنمية المستدامة، والاعتماد على الابتكار والتقنية، هي السبيل لضمان مستقبل مزدهر وآمن للمملكة، حيث لا تقتصر التنمية على تحقيق رفاهية الحاضر، بل تمتد لتشمل أجيال المستقبل وتضمن لهم حقوقهم في موارد المياه التي هي أساس الحياة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.