في جوهر العمل الاستثماري، المعلومة ليست مجرد محتوى معرفي عابر، بل هي الوقود الحقيقي لصناعة القرار، وهي العامل الحاسم في حركة الأسواق واتجاهات الأسهم. فهي قادرة على دفع سعر السهم صعودًا أو هبوطًا، بناءً على تحليل المستثمر لها وتوقعه لتأثيرها على الأداء المستقبلي للشركة. لماذا تعتبر المعلومة بهذه الأهمية؟ دعونا نتأمل سلوكنا اليومي كأفراد: لماذا نتابع المؤثرين والمشاهير على منصات التواصل الاجتماعي؟ ليس بالضرورة لحاجتنا الشخصية لهم، بل لأننا نستقي منهم معلومات وتجارب تشكّل قراراتنا: ما نشتريه، أين نسافر، ما نجرّبه من مطاعم أو منتجات، وحتى كيف نتصرف أو نتفاعل مع مواقف حياتية. والآن... لنعكس هذا المثال على السوق المالية: لنفترض أن الشركات المدرجة في السوق المالي هي بمثابة "المؤثرين" بالنسبة للمستثمرين, فكما يتابع الجمهور تصرفات المشاهير بحثًا عن المعلومة أو التجربة، يراقب المستثمرون أداء الشركات وسلوكها المعلوماتي لتشكيل قراراتهم المالية. إذًا، كيف "تؤثر" هذه الشركات على المستثمرين؟ وكيف تُسقيهم المعلومات؟ هنا تظهر مسؤولية الشركة المدرجة في بناء سرد معلوماتي احترافي ومتكامل، يشمل الإفصاحات الرسمية، التقارير السنوية، العروض التقديمية للمستثمرين، والإجابات المنظمة على استفسارات السوق والمحللين. لكن التأثير وحده لا يكفي... ما التزامات الشركة وحدودها؟ الالتزام بالإفصاح العادل (Fair Disclosure): لا يمكن تمييز مستثمر على حساب آخر بمعلومة جوهرية. المعلومة يجب أن تكون متاحة للجميع في نفس الوقت. والالتزام بالتوقيت: لا تُبنى الثقة فقط بما يُقال، بل متى يُقال. التأخير في الإفصاح يُعد خرقًا جوهريًا للأنظمة. والالتزام بالوضوح والدقة: الإفصاح الغامض أو المضلل يؤدي إلى تضليل السوق، وقد يُحمّل الشركة ومجلس إدارتها مسؤوليات قانونية وتنظيمية. وفيما يخص التحفظ المشروع (Legitimate Discretion) فهناك حالات يتيح فيها النظام تأجيل أو عدم الإفصاح عن معلومة لحماية الشركة ، لكن بضوابط مشددة وبموافقة هيئة سوق المال، ويجب الإفصاح لاحقًا عند زوال السبب. لماذا نتحدث عن "المعلومة" في السوق المالية؟ لأنها المحور الذي تدور حوله أسواق المال، ولذلك تم إنشاء هيئات تنظيمية مثل هيئة السوق المالية في السعودية لتنظيم وتوجيه سلوك الإفصاح والشفافية، والتأكد من أن المعلومة متاحة للمستثمرين في توقيت عادل ومناسب. ويأتي ذلك عبر: الإفصاح الدوري: القوائم المالية، تقارير مجلس الإدارة، تقارير الحوكمة. والإفصاحات الجوهرية: الأحداث التي قد تؤثر جوهريًا على السهم (كالحصول على عقد كبير، اندماج، استحواذ، تغيير إداري جوهري، دعاوى قضائية... إلخ). والإفصاح التثقيفي: تقارير استرشادية تهدف لرفع وعي المساهمين وتحسين فهمهم لنشاط الشركة. والإفصاح الاستباقي: التوضيح الطوعي لبعض الأحداث حتى قبل إلزام الإفصاح عنها رسميًا بهدف بناء ثقة السوق. المعادلة الجوهرية هي المعلومة وتوقيت الإفصاح والوضوح ليكون قراراً استثمارياً سليماً. ولذلك فإن المعلومة ليست فقط قيمة للمستثمر، بل هي أداة استراتيجية للشركة نفسها. ومن هنا يجب أن يدرك ملاك الشركات أن قيمة السهم ليست مسألة طلب وعرض فقط، بل نتيجة مباشرة لمستوى وشفافية المعلومات التي تقدمها الشركة. دور علاقات المستثمرين (Investor Relations): إن إدارة علاقات المستثمرين ليست وظيفة شكلية، بل عنصر محوري في بناء الثقة بين الشركة والسوق. فهي مسؤولة عن ضمان تيسير وصول المعلومة لجميع المساهمين بشكل عادل. وإدارة توقعات السوق. وتنسيق الرسائل المؤسسية والمالية. والرد على استفسارات المساهمين والمحللين الماليين. ودعم التقييم العادل للسهم وفقًا للحقائق وليس الإشاعات. أفضل الشركات المدرجة عالميًا هي التي ترى إدارة علاقات المستثمرين كجزء من استراتيجية الشركة، وليس فقط كقناة اتصال. التنبيه الأهم لملاك الشركات ومجالس الإدارة: لا يجب أن يكون التركيز فقط على سعر السهم في السوق، بل يجب أن يكون على جودة تدفق المعلومات للمستثمرين. المستثمر لا يُقنع بالتمني، بل بالأرقام، والرؤية، والمعلومة الدقيقة في الوقت المناسب. ولذلك، فإن الشركات التي تتمتع بسياسة إفصاح شفافة، وممارسات اتصال مؤسسية فعالة، وإدارة علاقات مستثمرين محترفة، هي الأقدر على جذب المستثمر طويل الأجل، وتحقيق استقرار في تقييم السهم، وتعزيز ثقة السوق. خلاصة القول: المعلومة ليست رفاهية، بل ركيزة، والمعلومة ليست خطرًا، بل فرصة، والمعلومة ليست ملكًا خاصًا، بل حق للمستثمر وفق التشريعات. إن قيمة المعلومة ليست مجرد ملف الكتروني نرفقه للإفصاح، بل هي مفتاح النمو، والثقة، والاستثمار المستدام.