زارت بعثة صندوق النقد الدولي المملكة في يونيو الماضي، وقدمت توصياتها للجهات المعنية، وهي توصيات رغم مهنيتها، فإنه يجب التعامل معها بحذر، لأن الصندوق ينطلق من مسلمات عفا على بعضها الزمن. فهذا الصندوق، لديه معتقدات راسخة بأن السوق وحدها هي المحرك للاقتصاد، في حين أن تجربة الاقتصاد العالمي منذ عام 2008، تثبت أن الأمور ليس كذلك 100 %. إن نظرة عابرة للتغيرات الاقتصادية التي حدثت بعد الأزمة المالية - الاقتصادية العالمية عام 2008 تبين أن الصين التي يلعب القطاع الحكومي في اقتصادها دوراً بارزاً قد تقدمت، في حين تراجعت الدول التي تعتمد على اقتصاد السوق. ففي خلال الفترة من 2004-2007 تقدم الاقتصاد الصيني على الاقتصاد الفرنسي والبريطاني وأصبح رابع أكبر اقتصاد في العالم. وفي عام 2008 تعدى الاقتصاد الألماني وأصبح ثالث أكبر اقتصاد في العالم. وبعد ذلك، وفي عام 2009، تقدم على الاقتصاد الياباني وأصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم. وهكذا فلم يبقَ أمامه غير الاقتصاد الأميركي، والذي من المتوقع أن يتخطاه بحلول عام 2038. كذلك، فإن المتابع للاقتصاد الروسي، الذي يسير وفق توجيهات صندوق النقد الدولي، يرى أن هذا الاقتصاد يركز على محاربة التضخم. وعلى هذا الأساس يرفع البنك المركزي الروسي، الذي طالما حصلت رئيسته على إطراء صندوق النقد، سعر الفائدة إلى مستويات خيالية -وفقاً للتوصيات التقليدية لصندوق النقد الدولي- حتى وصلت إلى أكثر من 22 % - قبل أن يتم تخفيضها في الفترة الأخيرة. فهذه النسبة المرتفعة لسعر الإقراض تعيق نمو الاقتصاد الروسي. الأمر الذي يجعل من الصعب تنفيذ توجيهات الرئيس الروسي، برفع معدلات نمو هذا الاقتصاد إلى مستويات أعلى من المتوسط العالمي. وعلى أي حال، فإن بيانات ميزانية المملكة للربع الثاني لهذا العام، هي الأخرى تؤكد عدم دقة استنتاجات صندوق النقد الدولي. فقد أظهرت بيانات الميزانية الربع سنوية الصادرة يوم الخميس الماضي، أن الإيرادات الفعلية في الموازنة انخفضت خلال الربع الثاني من عام 2025 بنسبة 14.7 % على أساس سنوي، وذلك نتيجة تراجع الإيرادات النفطية، التي توقع صندوق النقد ارتفاعها، بعد قرار أوبك+ زيادة الإنتاج. فقد وصلت الإيرادات الفعلية في الموازنة خلال الربع الماضي إلى 301.59 مليار ريال، بالمقارنة مع 353.59 مليار ريال خلال الربع الثاني من العام السابق 2024. كذلك، فإن الصندوق توقع أن يسجل الناتج المحلي غير النفطي نمواً بنسبة 3.5 % خلال عام 2025، في حين أن بيانات الميزانية تشير إلى ضعف هذه النسبة تقريباً، عندما ارتفعت هذه الإيرادات بنسبة 6.6 % تقريباً. وعلى هذا المنوال يمكن قياس بقية توصيات صندوق النقد الدولي. فهذه التوصيات يمكن التعامل معها كأساس، ولكن دون الالتزام بها حرفياً. إذ لا يغيب عن البال، أن صندوق النقد الدولي هو صندوق مؤدلج ولديه قوالب ثابتة منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الآن، ولذلك يفترض التعامل معه وفقاً لذلك.