في عالم كرة القدم الحديث، حيث تحكم (الترندات)، ويتصدر العناوين من يسجلون أو يثيرون الجدل، يغيب عن المشهد الجنود المجهولون، اللاعبون "الثابتون" الذين يبنون نجاح الفرق بصمت، هؤلاء ليسوا فقط لاعبين جيدين؛ بل هم شخصيات عقلانية، مستقرة، تملك نوعًا خاصًا من التفكير يجعلها قادرة على البقاء في أعلى مستويات الأداء لسنوات طويلة، والمدرب الإيطالي كارلو أنشيلوتي قال ذات مرة: "اللاعبون الثابتون لا يصنعون ضجيجًا، لكن الفرق لا تفوز بدونهم." وذلك توصيف دقيق لشخصيات مثل فيليب لام، سيرجيو بوسكيتس، نجولو كانتي... واللاعب السعودي ياسر الشهراني والذي يعتبر أبرز النماذج المحلية لهذا النوع النادر من اللاعبين الذين يمكن وصفهم ب"اللاعب الثابت" وهو اللاعب الذي يحافظ على مستوى فني مستقر، يتسم بالانضباط والهدوء، ويمثل ورقة مضمونة في تشكيلة المدرب، موسمًا بعد آخر، حيث لا تغريه العروض الإعلامية ولا يدخل في صراعات خارج الملعب، لكنه يبقى عنصرًا لا يمكن الاستغناء عنه، واغلب المدربين يحبونهم مهما اختلفت مدارسهم الفنية، ومنهجيتهم التكتيكية لكن ما الذي يجعل هؤلاء اللاعبين مختلفين؟ كيف يفكرون؟ لماذا يثق المدربون بهم مهما تغيرت المدارس والأساليب؟ لعل اول هذه النقاط هو تفكير المنظومة فهؤلاء اللاعبين لا ينظرون لأنفسهم كأفراد يبحثون عن التميز الشخصي فقط، بل يفكرون كجزء من منظومة يدركون أدوارهم ويعرفون كيف يخدمون المجموعة دون الحاجة لأن يكون النجم الأول مثل بوسكيتس الذي كان "العقل المدبر" لبرشلونة داخل الملعب، يفكر دائمًا في ما يحتاجه الفريق لا ما يريده هو. الأمر الآخر هو الاستقرار النفسي والمرونة الذهنية ، فلا تسيطر عليهم التقلبات، ولا يغترون بالمديح، ولا ينهارون تحت النقد ولديهم استقرار داخلي يجعلهم يتعاملون مع كل مرحلة بوعي وتوازن فياسر الشهراني، مثلًا، مر بتغييرات كثيرة في الهلال، ومع ذلك لم تتغير ملامحه ولا أداؤه ، إضافة الى ذلك لديه حب كبير للتفاصيل والتوجيهات فهم إضافة إلى التوجيهات فلديهم شغف كبير بفهم ما يريده المدرب بالضبط. ولهذا وصف رامون دياز ياسر الشهراني ذات مرة بأنه "اللاعب الذي يقرأ عقل المدرب"؛ وهذه عبارة تختزل ذكاءه التكتيكي والتزامه الدقيق. الأمر الآخر هو التواضع المهني فاللاعب الثابت لا يبحث عن التصفيق، بل عن التقدير الداخلي، لا يهمه أن يتصدر العناوين بل أن يحظى بثقة زملائه ومدربه، ولعل ايقونة هذا التواضع ودماثة الأخلاق عالمياً (المتواجد في دورينا) هو نجولو كانتي الذي جعله تواضعه أكثر محبة، وسلط الضوء بشكل أكبر على المردود الخارق الذي يقدمه فنياً في أرض الملعب فهو رغم شعبيته، لا يظهر في المقابلات كثيرًا، ولا يدخل في أي صراعات، ولا يرتدي الماركات الفخمة والغالية هو فقط يعمل بصمت، وأخيراً وليس آخرا الانضباط.. ورغم أن الانضباط أساس لا جدال حوله ولكن مع اللاعب الثابت قيمة وليس تكليف فهم لا ينضبطون لأن هناك من يراقبهم، بل لأنهم يرون الانضباط جزءًا من هويتهم المهنية فالتدريب، والتغذية، والراحة، والالتزام جميعها ليست واجبًا بل أسلوب حياة. كرة القدم، والرياضة بشكل عام تحتاج هذه النوعية من اللاعبين أكثر من أي وقت في زمن تعلو فيه الضوضاء ويُكافأ فيه من يثير الجدل، حيث تزداد أهمية من يصنع الفارق دون ضجيج.. الثابتون أمثال كانتي والشهراني هم مرآة للاحتراف الحقيقي؛ يعطون الأمان في الملعب، ويبثون الطمأنينة في عقل المدرب، ويقدمون نموذجًا إنسانيًا ومهنيًا يحتذى به. بُعد آخر: بيان النادي الأهلي عن التعاقدات عنوانه "العمل في صمت ذكاء، لكن في البيئة الموبوءة إعلاميا يُفسَّر الصمت بأنه ضعف". كانتي محمد أحمد العمري