ارتبط مفهوم القوة الإنجازية لدى التداوليين بالأفعال الكلامية، وهي باختصار: تلك الأفعال التي تشكّل في حقيقتها عملاً وأداءً، إضافة إلى ما تحمله من معنى، وهي -بحسب أوائل المشتغلين على هذه النظرية اللغوية (جون لانجشو أوستن 1960م)- تعني أن «النطق بالجملة هو إنجاز لفعل، أو إنشاء لجزء منه»، ولعل أوضح مثال عليها ما ينطقه الناس من أفعال مؤثرة عند عقد القران بين الزوجين، إذ من المعلوم أن من أركان الزواج في الإسلام، (الإيجاب والقبول)، أي الإيجاب من الولي، والقبول من الزوج، ويكون ذلك عن طريق صيغة الإيجاب، أي إيجاب الولي بقوله: «زوجتك ابنتي فلانة»، فيقول الرجل المتقدم: «قبلتُ الزواج»، فيصبحا بذلك زوجين، وهنا يحصل الزواج بواسطة هذين الفعلين (الإنجازيين)، وبذلك يصبح للفعل قوته الإنجازية في كونه مؤثراً. وشبيه به أيضاً فعل الطلاق، فإنه عندما يصرّح الزوج (العاقل المدرك) بطلاق زوجته، فإن الطلاق يقع، ويكون الانفصال بينهما حاصلاً جراء هذا التلفظ بالفعل، فمن ههنا يكتسب الفعل قوته الإنجازية. هذان المثالان يوضّحان باختصار كثيراً من الشرح الطويل، والوصف المعقّد لمفهوم نظرية الأفعال الكلامية، وقوتها الإنجازية، ويمكن أن نشير في هذا الصدد إلى أن الأفعال الكلامية تنقسم إلى ثلاث مراحل: الأفعال القولية، وهي التي ننطقها نطقا مجرداً من الأداء، كسافرَ أخي، ثم الأفعال الإنجازية، وهي التي تتحقق ويفعلها صاحبها، كسافرْ يا أخي، فهنا أمر، وطلب، ثم الأفعال التأثيرية، وهي التي تترك أثراً بعديًّا، بمعنى أنها تتحقق، ويحصل منها المراد، والمقصود، وتدخل هذه الأفعال بمراحلها الثلاثة ضمن نظرية الأفعال الكلامية التي هي من أهم النظريات في علم التداولية، وتركز على دراسة العلاقة بين اللغة والسياق، وكيفية استخدام اللغة للتأثير في الآخرين، وتحقيق أهداف التكلم، وغايات التخاطب؛ ولهذا فهي تساعد في فهم كيفية استعمال اللغة في مواقف مختلفة. وتعد العلامة أصلاً تقوم عليه السيميائية، إذ هي تمثّل شيئًا يحلّ مكان شيء آخر، أو علامة ترمز إلى معنى معيّن في عملية التواصل، وتتكئ العلامة لدى السيميائيين على ركنين رئيسين، وهما: الدال، أو (اللفظ)، والمدلول، أو (المعنى)، كما أن العلامة تقوم في أغلب أحوالها على العلاقة بين اثنين، ويمكن أن نمثّل لذلك مثلاً بالعلاقة بين الغيم والمطر، أو النار والدخان، أو السفر والطائرة، أو العطر والرائحة، أو ما شابه ذلك، ومن هنا انبثق الرمز بوصفه دالاً على معاني الأشياء، حيث يكتسب معناه من خلال ما يدل عليه، أو يكشف عنه؛ ولهذا اتحدت العلامة اللغوية، وغير اللغوية، في إظهار المعنى، وإيصال المراد، حيث وجدنا الرمز في النص، وفي الإشارات، والشعارات، والتعابير الجسدية، والألوان، والأزياء، والعمارة، والطعام، والأصوات، وغيرها. وإذا عدنا إلى الأفعال الإنجازية -بوصفها موضوعاً تداوليًّا- فإننا نستطيع ربطها بالعلامة التي هي موضوع سيميائي، وأقرب مثال يحقق التوافق بين هذين الموضوعين أننا حين نقف عند إشارات المرور في الشوارع نكون أمام فعل تواصلي، ذي قوة إنجازية، تؤديها العلامة، أو الرمز، فاللون الأخضر يأمرنا لكي ننطلق، واللون البرتقالي يأمرنا لكي نستعدّ، واللون الأحمر يأمرنا لكي نقف، وكذا الحال في بعض اللوحات الإرشادية، كتلك التي توجهنا للانعطاف يميناً، أو شمالاً، وكتلك التي تسمح لنا بالخروج، أو الدخول، أو تمنعنا منهما، ونحوها من العلامات التي تتطلب إنجازاً، أو الرموز التي تحتاج أداءً.