أوضح المحامي والمستشار القانوني مشعل آل جريان ل"دنيا الرياضة" أن القطاع الرياضي السعودي يشهد تطورًا نوعيًا غير مسبوق، مدفوعًا برؤية المملكة 2030 التي تستهدف تحويل الرياضة إلى صناعة احترافية جاذبة للاستثمار، ومرتكزة على بنية قانونية متينة. وقال: "لم تعد القضايا الرياضية محصورةً في الملعب أو بين الجماهير، بل تجاوزتها إلى أروقة القضاء ومراكز التحكيم، نتيجة تجاوزات قد تتحول من سلوك عاطفي إلى أضرار قانونية ومالية". واضاف "لم تعد ظاهرة التعصّب الرياضي مجرد سلوك اجتماعي مرفوض، بل أصبحت تُدرس قانونيًا باعتبارها من صور الفعل الضار، وتُتناول ضمن أطر المسؤولية المدنية والانضباطية، خاصة في ظل صدور نظام المعاملات المدنية الجديد، الذي أعاد تشكيل المفاهيم القانونية في هذا المجال". وبين آل جريان "أن المادة (16) من النظام، الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/191) وتاريخ 29 /11 /1445ه، أرست قاعدة عامة للتعويض عن الفعل الضار: (كل من أحدث ضررًا بغيره، يلزمه ضمانه، ولو لم يكن متعديًا أو مفرطًا، متى كان الضرر نتيجة طبيعية للفعل)، وبهذا التفسير، فإن أي شكل من أشكال التعصّب الرياضي -سواء كان تصريحًا، أو تغريدة، أو سلوكًا جماهيريًا- قد يُعد مسؤولية مدنية إذا ترتب عليه ضرر حقيقي". وأوضح "يمكن تطوير أدوات رقابية داخل الأندية أو روابط المشجعين لرصد هذا النوع من السلوك، وتوثيقه قانونيًا قبل تصعيده إلى الجهات القضائية، وعن الضرر المعنوي وحقوق السمعة فإن المادة (57) من النظام ذاته، تكفل التعويض عن الضرر المعنوي ويحق للمتضرر المطالبة بالتعويض عن الضرر المعنوي، بما في ذلك ما يصيب الكرامة أو الشعور أو السمعة مبيناً ان هذا ما يجعل العبارات المسيئة أو المليئة بالكراهية عبر وسائل التواصل أو الإعلام الرياضي، مجالًا لمطالبة قانونية قائمة، سواء كانت من لاعب، أو نادٍ، أو راعٍ تجاري، أو حتى مشجع تضرر من تنمر أو إساءة لفظية". وأعطى ال جريان مثالاً فقال: "لقد سُجلت حالات واقعية في الساحة الرياضية، أدى الضغط الجماهيري المتعصّب إلى فسخ عقود أو عزوف مستثمرين، مما يبرز الأثر القانوني لهذه التصرفات، واللجان القضائية الرياضية هي جهة ضبط ومساءلة، وأهمية دور لجنة الانضباط والأخلاق في الاتحاد السعودي لكرة القدم، ومركز التحكيم الرياضي السعودي كبير، فهما المعنيان بتطبيق لائحة الانضباط (2021)، حيث نصّت المادة (50/1) على: (عاقب كل من يستخدم ألفاظًا أو إشارات أو تصرفات تُعدّ مهينة أو محرضة على الكراهية أو العنف، بالغرامة أو الإيقاف أو كليهما). حين يتحول التعصّب الرياضي إلى خسائر اقتصادية وتوقع ال جريان أنه قد يُفتح المجال مستقبلًا أمام إصدار "مؤشر قانوني وطني" يُرصد فيه عدد القضايا الانضباطية وتعويضات الأضرار، بهدف رفع مستوى الوعي التنظيمي وتعزيز الشفافية. وأشار آل جريان إلى أن "التعصّب الرياضي لا يتوقف عند حدود التشهير أو الكراهية، بل يتسبب أيضًا في أضرار مالية ملموسة، من أبرزها: فسخ عقود الرعاية نتيجة تصرفات متعصبة من جمهور النادي أو أحد مسؤوليه، تراجع القيمة التسويقية للنادي، عزوف الشركاء التجاريين عن الدخول في بيئة يرونها غير آمنة". وتطرق المحامي الى مثال افتراضي فقال: "يمكن تخيل راعٍ رسمي ينسحب من بطولة محلية بعد تصريحات عنصرية من جمهور طرف مشارك، مما يخلق أساسًا قانونيًا لمطالبة الطرف المتضرر بالتعويض". وشدّد على أن "النظام المحلي يتناغم مع لائحة FIFA التأديبية (2023)، حيث تنص المادة (13/1) على: (كل من يهاجم كرامة أو نزاهة شخص أو مجموعة من الأشخاص بكلمات أو أفعال تمييزية أو مهينة، يُعاقب بالإيقاف والغرامة، وقد يُلزم بدفع تعويض للضحية، ويفتح ذلك الباب للترافع أمام الهيئات الدولية المختصة، خاصة في القضايا التي تتعلق بلاعبين أجانب أو جهات أجنبية متضررة من سلوك داخل البيئة الرياضية السعودية). وبين أن "التمثيل القانوني الرياضي ضرورة لا رفاهية فحماية الرياضة من التعصب لم تعد مسؤولية جماهيرية فقط، بل مسؤولية قانونية متكاملة، وتتطلب أدوات قانونية فاعلة، تبدأ من التوعية، وتمتد إلى لجان الانضباط، ولا تنتهي عند القضاء المدني، بما يضمن تعويض المضرور وردع المسيء، وبناء بيئة رياضية عادلة ومستقرة اقتصاديًا واجتماعيًا، وهنا يبرز دور الأندية الرياضية في تفعيل دور المستشار القانوني المختص في القضايا الرياضية كضامن للعدالة، ووسيط بين النصوص النظامية وحقوق الأطراف المتنازعة للتثقيف القانوني والإعلامي". مشعل آل جريان