أصدرت حديثاً ميشلين مبارك كتابها الجديد «أضواء ثقافية» عن «دار فواصل للنشر» في بيروت، وذلك بعدما صدر لها «تجربة» (شعر) عن «دار الفارابي»، و»اعتراف» (شعر) و»صدى الروح» عن «دار نلسن»، و»أنا... بيروت» عن «منتدى شاعر الكورة الخضراء». صاغت أجزاء «أضواء ثقافية» الذي يشتمل على تحقيقاتٍ وحواراتٍ أعادت نشرها فيه، بإدراكها وفطنتها الثقافية وشغفها وتصميمها، وهي المتمكّنة والمتأنّية والحاذقة في فضاء الكتابة الصحفية. الشاعرة والكاتبة والإعلامية المجتهدة ميشلين مبارك تخاطب العقل في نِتاجها بأسلوبٍ سلسٍ جداً يمتاز بالبساطة ويُظهر ذكاءً وعمقاً وراءه وفي ثنايا الجوهر المسبوك. كتابها يُغني بتنوّعه ورحابته معرفة القارئ اللبناني والعربي من دون أن يُحمّلهُ عبئاً، ويتبدّى خفيفاً في تتابعه رغم رصانة قلم المؤلّفة وثقله الممهور بالبهاء. لكتابها وَقْعٌ حَسَنٌ في الوسط الثقافي اللبناني الذي يزدان أيضاً ببصمتها ونشاطها وإسهامها الإيجابي والمضيء. في الباب الأوّل من الكتاب تحقيقاتٌ ثقافية، ومنها «الرمزية في الفنون التشكيلية... الموديل نموذجاً»، و»إسرائيل... ومحاولة تصفية هوية شعوب وحضارات»، حيث تشرح الكاتبة أنّ الآثار والمعالم الدينية في فلسطينولبنان تعود إلى حضارات عمرها آلاف السنين من الإنجاز البشري والتاريخ الثقافي الفريد للمشرق. لكن هذه الحضارات اليوم، بمواقعها الأثرية المميزة وأمكنتها الدينية التاريخية، مهدَّدة من قبل عدوّ يعرف التاريخ العريق ويريد إزالته ولا يعترف بأية مواثيق دولية. كذلك تحتوي التحقيقات على «التكنولوجيا... صانعة أمان وعدم أمان»، و»الرائدات المشرقيات والنهضة العربية»، و»اللبنانيون وأمّهات الصحف العربية: مؤسّسون ورموز»، و»شوقي أبي شقرا... خسارة مدرسة شعرية في زمن الحرب» حيث تصفه ميشلين على اعتباره أحد أبرز صنّاع الحداثة الشعرية وحامل شمسها من لبنان إلى العالم العربي فالعالم. وهو أيضاً، بتعبير الكاتبة مبارك، مؤسّس أول صفحة ثقافية في الصحافة اللبنانية ومعلّم الأجيال الثقافية اللاحقة بحبره الأحمر، مُطلقاً المئات من الكتّاب والشعراء اللبنانيين والعرب إلى منبر النشر في الجريدة. في المقابل، يشتمل الباب الثاني من الكتاب على حوارات ثقافية، ومنها «سلمى مرشاق سليم... أديبة شغوفة»، و»علوية صبح... كاتبة المرأة العربية في الأدب العربي»، و»فارس يواكيم... يوم بلغ الثمانين»، و»ندى أنسي الحاج... عابرة قسوة الواقع بإحساس شعري»... تقول ميشلين عن سلمى مرشاق إنّ فكرها المتّقد اليافع جذبها إليها، على الرغم من حملها عبء أحداث كبيرة في عمرها المديد، وإنّ قراءة نتاج علوية صبح تجعل القارئ يعشق الحياة، وإنّنا عندما نقرأ دواوين ندى أنسي الحاج نكتشف أنّ الشاعرة التي حملت ذاتها إلى الكون، وأعادت الكون إلى أحشاء الذات الروحانية، تعبر بالقارئ من العالم المحسوس إلى رحاب أعمق وأوسع. من جهةٍ أخرى، نقرأ في «أضواء ثقافية» «المصوّر الصحافي على خطّ النار مرآة لوجع الناس»، و»عاصي حاضر في مئوية منصور الرحباني»، و»السينما... تاريخ الفن الجميل»، وحواراً مع الشاعرة دارين حوماني لمناسبة صدور مجموعتها الشعرية «عزيزتي بيروت... هنا مونتريال» وهي المقيمة في بيروت، في شارع الحمرا تحديداً منذ أن سافرت إلى مونتريال إذ أنها تأخذ بيروت معها حتى في غربتها، وسواها من المواضيع والمواد المهمّة الشيّقة. لم تألُ ميشلين جهداً عندما جمعت أوراقها في «أضواء ثقافية» لتشكّل تلك الفسيفساء المكوّنة من ومضاتٍ وإشراقات ثقافية تجذب القلوب بأناقتها في متونها وأغوارها وذرواتها. إنه كتابٌ يستأهل الاقتناء والقراءة والثناء. *كاتبة وشاعرة لبنانية