في أبريل 2025، تلقى جنسن هوانغ، الرئيس التنفيذي لشركة نفيديا العملاقة للرقائق، درسا مهما في الجغرافيا السياسية عندما حظرت إدارة ترمب فجأة مبيعات شريحة الذكاء الاصطناعي التي صممتها شركته حديثا للصين خصيصا. صمم هوانغ وزملاؤه، امتثالا للضوابط الأمريكية، شريحة (اتش20) لتستمر في خدمة الطلب الهائل للصين على قوة الحوسبة بالذكاء الاصطناعي. رغم أن هوانغ قدم حلا وسطا بالشريحة المبتكرة، إلا أن الرئيس ترمب رأى الحل سخيا للغاية، فحظره سريعا، في قرار اعتبر للكثيرين نهائيا. لكنه لم يكن كذلك لهوانغ. دفع هوانغ، بعد ثلاثة أشهر فقط، عجلة مصنعه للإنتاج من جديد. ففي يوليو، عكست الإدارة مسارها وسمحت لشركة نفيديا باستئناف صادرات الرقائق نفسها التي أوقفت. تعلم هوانغ الدرس جيدا، مما ترك الكثيرين في حيرة كيف انهار الحظر الصلب الذي استعصى على الزعزعة بهذه السرعة؟ بذل هوانغ ما بوسعه للتأقلم مع التذبذب في السياسة الأمريكية بين إدارة بايدن وإدارة ترمب. منذ عودة إدارة ترمب هذا العام، تبعثرت السياسة الأمريكية في الذكاء الاصطناعي بين خفض اللوائح لتسريع الابتكار في الداخل، مع التعثر في ضوابط تصدير صارمة وأحيانا تعسفية في الخارج. كان الحل الأمثل لذلك بالنسبة لهوانغ، مصنعا جديدا لتجنب حظر صادراته إلى الصين، لكن حتى ذلك لم يكن كافيا. وجد هوانغ نفسه في زاوية، ولم يعد الحل تقنيا كما يتبادر لذهن المهندسين عادة، بل مداولات دقيقة وسير في الممرات الطويلة عبر القنوات الخلفية، تحت ضجيج الحسابات التجارية قصيرة الأجل، والضغط من المديرين التنفيذيين للتقنية الذين يتزايد قلقهم لفقدان الوصول إلى السوق الضخمة في الصين. أمضى هوانغ وقتا طويلا لفتح الطريق أمام الحظر الذي سد عليه منافذ الإمداد لأكبر الأسواق العالمية، لكن جهوده أثمرت لنفيديا. في الأسبوع الماضي، التقى هوانغ بترمب في المكتب البيضاوي ليعرض عليه وجهة نظره. بذل هوانغ جهدا كبيرا ليبين أن الفراغ الذي سيولده الحظر سيملؤه المنافسون المحليون في الصين الذين إن فتح لهم المجال سيسحبون البساط من تحت أرجل الهيمنة الأمريكية. هوانغ محق فالمخاطر الاستراتيجية كبيرة. في عام 2024، ضخت الولاياتالمتحدة ما يقرب من 109 مليارات دولار في تطوير الذكاء الاصطناعي بأكثر من عشرة أضعاف ما استثمرته الصين بنحو 9.3 مليارات دولار. رغم ذلك، تبدو الصين أكثر تنسيقا، مما يهدد موقع الريادة التي بيد أمريكا اليوم. ما واجهه هوانغ ليس شأنا محليا، أو أمرا يخص الشركات، بل إن صداه يتردد عالميا. في منطقتنا، حيث نستثمر بكثافة في الذكاء الاصطناعي، يعبر الموقف المتغير لواشنطن عن مخاطر تهدد اختياراتنا للبنية التحتية المعتمدة على التقنية الأمريكية. إذا كانت نفيديا تواجه صعوبات داخليا في توفير استقرار لسلاسل الإمداد، فعلى الآخرين أن يتعلموا من الدرس الذي تلقاه هوانغ في الجغرافيا السياسية، فالحل ليس تقنيا دائما.