تنتمي السيرة الذاتية المرئية إلى الفن البصري، وإلى جنس السيرة الذاتية التفاعلية، تلك التي تفيد من التقانات الإلكترونية، والمنصات الرقمية، وقنوات التواصل الاجتماعي، أي تلك التي نتفاعل معها مثلاً عن طريق (الواتساب)، أو (اليوتيوب)، أو (سناب شات)، أو (تيك توك)، أو نحوها، ولعلي أحيل هنا إلى جهود الدكتورة أمل التميمي في الاعتناء بهذا اللون من السيرة الذاتية، حيث ألّفت في ذلك كتابها: (السرد السيرذاتي في الأدب الوسائطي: السيرة الذاتية التلفزيونية أنموذجاً)، ثم كتابها (تحولات السيرة الذاتية) الذي رصدت فيه نماذج من بعض الصفحات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، وأثرها في تحولات الأدب الذاتي. ويمكن أن نجد في البرنامج التلفزيوني الرمضاني (ذات) الذي أعدّه اللاعب سامي الجابر ما يدل على هذا اللون من السيرة الذاتية، وهو برنامج حواري كان يستضيف فيه كل ليلةٍ شخصيةً ما، ويتحاور معها عن ذاتها، وقد عُرِض هذا البرنامج على قناة السعودية في شهر رمضان عام 1443ه (2022م)، ثم قُدِّم البرنامج مرة أخرى على القناة نفسها في رمضان (2023م)، ويعد هذا البرنامج من أشكال السيرة الذاتية التلفزيونية، وهو قمينٌ بالدراسة من قبل المتخصصين في ميدان الأدب الذاتي ونقده، إذ فيه نماذج ثرّة، وتجارب متنوعة، تستحق الالتفات إليها، والاعتناء بها. ولقد لفت انتباهي مؤخراً، تلك السير الذاتية التفاعلية التي نبعت من منصة (تيك توك)، ولا أدري إن جاز لنا وصفها بالسيرة (التكتكيّة)! لأنني شاهدت أكثر من سيرة في هذا الفضاء الجديد، ولعل من آخر ما رأيته مثلاً: سيرة رجل الأعمال فيصل السعدون التي عرضها في منصة (تيك توك)، و(إنستقرام)، وهي سيرة ذاتية ملهمة، يرويها بنفسه، وذلك في سرد شائق، ووصف رائق، وقد خلت من الحوار، لكنها لم تخلُ من الإدهاش، والتفاعل مع الناس. وعندما ننتقل إلى سيرة مرئية أخرى تطالعنا سيرة الأديب عبد الرحمن بن زيد السويداء، ويحسب للأستاذ عبدالله اليحيا توثيقه لمثل هذه السيرة، وكان اليحيا قد سبقها بسير تفاعلية أخرى، كسيرة الفنان الراحل سالم الحويل، وهذا عمل فني يحسب له، غير أن عرضه لسيرة السويداء جاء ماتعاً ومقتضباً، وبخاصة أن صاحب السيرة ذو تآليف حسان، وله في الإبداع الأدبي ديوان شعري، وروايات واقعية، وقد عرفتُ من خلال سيرته هذه أنه طبع أعماله الشعرية مؤخراً مجموعةً، وأصدر أكثر من خمسين كتاباً في مجالات مختلفة، منها اثنان وعشرون مؤلَّفاً عن منطقة حائل، كما أن له اهتماماً بالتأريخ الطبي الشعبي، والتدبر القرآني. هذه المعلومات التي يوردها أصحاب تلك السير تشير إلى أن السيرة الذاتية المرئية قد تنضح بكثير من الأحداث الجديدة التي يرويها صاحبها، وقد يضيف إليها ما لم يضفه سابقاً، فمن ههنا تلوح فيها الطرافة والجدة، وهما سمتان تميّزان تلك السير، فالحوار فيها يمتد بين اثنين متفاعلين (مرسل ومرسل إليه)، أو متلقٍ آخر، وهو القارئ في مختلف أصنافه، كما أن التعليقات المصاحبة للمقطع المرئي، والإعجابات، والتفضيلات، وغيرها، هي مظاهر حيوية تزيد من تفاعلية هذه السير. وفي لغة الجسد ما يميز هذا النمط من السير؛ ذلك أننا نرى صاحب السيرة، ونتعرف على تفاصيل وجهه، وحركات جسمه، وأشياء دقيقة من لغة جسده، كاللباس، والصوت، والإشارات، والإيماءات، والابتسامات، والنشاط الذي يظهر مع الحوار، كما قد تصنع المؤثرات الأخرى تفاعلاً واضحاً في تلقي هذا اللون من السير.