قالها الأديب الأبهاوي المثقف الأستاذ "أنور بن محمد خليل" رئيس نادي أبها الأدبي سابقاً، بحس يقطر وجداً "أحببت عزلة البيت، فهذه لم تعد أبها التي أعرفها"، وكأنه يودع وجهاً كان يألفه ويعرفه، فغيرت السنون ملامحه. هذا البوح من صاحب (الخليلية) ذلك المكان الدافئ الذي أعده ليكون ملتقى لأهل الأدب والفكر والثقافة في مساء "كل يوم اثنين" ليست كلمات عابرة، بل هي شهقة عاشق جميل، أدرك أن الحبيبة تبدلت، وأن الأزقة التي كانت تحفظ خطواته، لم تعد تصغي لوقع حنينه. كان يرى في أبها شرفة تطل على الجمال، نبعاً ينهل منه عبق الذاكرة، وزهراً يتفتح في كل صباح من عمره. كانت المدينة ترتدي بساط الريحان، تحادث الغيم وتهمس للضباب، وتفتح ذراعيها للقادمين من سفوح الحنين. أما اليوم، فقد بدلت ثوبها الوثير، وارتدت إيقاعا لا يشبه خطى المحبين، ولا يأنس به قلب العارف. حديثه في برنامج "وينك" مع الأستاذ محمد الخميسي، لم يكن مجرد رأي شخصي، بل بوح صادق باسم جيل يشعر بأن الزمن قد اختطف المدن، واستبدل دفء التفاصيل بزحمة لا ذاكرة لها، فقدت أبها سكونها المترف، وضجيج الجديد سرق منها أنفاس الحنين، وحده العاشق يبصر التغير كغربة، ويتقن الصمت حين تصبح الأمكنة غريبة، حتى وإن حملت الاسم ذاته، فأنور لم يغادر أبها وهو العاشق لها، ولكن أبها التي أحبها وعرفها وألفها أحياءها وطرقاتها وناسها، رحلت عنه بصمت وهذه سنة التغير في الحياة، والأمر الطبيعي الذي يحدث.