استطاعت المملكة بفضل الله ثم بجهود خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين يحفظهما الله، تحقيق قفزات واسعة وخطوات سريعة في مسيرة انطلاقتها ونموها وازدهارها وتطورها، ولهذا حققت رؤيتها الطموحة نهضة شاملة في كل المجالات والميادين الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والتقنية والصحية وفي كافة البنى الأساسية والمرافق الحيوية والتنموية مما مكَّنها من أن تتبوَّأ موقعًا مرموقًا في الاقتصاد العالمي الذي قطعت فيه شوطًا بعيدًا في رحلة تجسد أهدافها الرامية إلى تنويع أوجه الاقتصاد وتوزيع مصادر الدخل الأمر الذي عزَّز مكانتها ودعَّم اقتصادها حيث تمضي قدمًا دون عوائق في الاستثمار في مشاريع صناعية وتجارية واستثمارية وتنموية واقتصادية عملاقة. ولعلنا هنا نرى جذب الانتباه والتركيز على أحد القطاعات الاقتصادية التنموية الحيوية المهمة ألا وهو القطاع الزراعي والذي يمثل محورًا أساسيًا لاحتياجات ومتطلبات الإنسان الحياتية والمعيشية. والمملكة ما فتئت ولا توانت في تقديم برامج متنوعة لدعم القطاع الزراعي وتحسين جودة مكوناته وسلامة منتجاته الزراعية. لقد ناقش مجلس الشورى في إحدى جلساته السابقة إمكانية مساعدة المزارعين لإنشاء مصانع زراعية وغذائية في مناطقهم الريفية وقرب مزارعهم وتشجيعهم وحثهم لتصنيع وتسويق منتجاتهم الزراعية مما قد يُعَدُّ خطوة طموحة لحل مثالي ناجع من شأنه العمل على تعزيز استدامة القطاع الزراعي وضمان سلامة الأغذية وجودتها ورفع معنويات المزارعين وتقليل مصاريفهم وتحسين مستويات دخولهم، وهذه الصناعات تساهم في تحسين القيمة الاقتصادية للمنتجات الزراعية وتوفير فرص عمل في المجتمعات الريفية. وبطبيعة الحال فإن هذا الأمر يتطلب تضافر جهود عدة جهات متعددة ولعل من أهمها وفي مقدمتها بالطبع وزارة البيئة والمياه والزراعة وذلك من أجل تقديم مساعدات لإنشاء هذه المصانع الزراعية والغذائية في المناطق الريفية لتسويق المنتجات الزراعية لصغار المزارعين حيث سيحقق ذلك بلا شك الاكتفاء الذاتي المنشود في هذا المجال الاقتصادي الحيوي المهم، فالمصانع الزراعية والغذائية هي جزء أساسي من سلاسل الإمداد والأمن الغذائي، حيث تقوم بتحويل المواد الخام الزراعية إلى منتجات مصنَّعة صالحة للاستهلاك أو لاستخدامات أخرى. ويمكن تصنيف هذه المصانع بناءً على نوعية المنتجات التي تنتجها أو العمليات التي تقوم بها، إذاً ثمة حاجة لمنح قروض ميسرة لتوفير البنى التحتية لشراء الأجهزة والمعدات اللازمة للتصنيع والتعبئة والتغليف، كذلك دعم مشاريع البحث والتطوير في الجامعات ومراكز البحث العلمي لتطوير منتجات جديدة ومبتكرة من المحاصيل الزراعية المحلية بما يتناسب مع احتياجات السوق مرتكزة على التقنيات الحديثة في التصنيع الغذائي، ومنها مصانع معالجة الأغذية ومصانع اللحوم ومصانع تعبئة وتعليب الفواكه والخضراوات والتمور ومصانع الألبان وإنتاج الحليب والجبن الزبادي ومصانع الزيوت واستخراج الزيوت من البذور والنباتات مثل زيت الزيتون وزيت الصويا، إلى جانب تصنيع الأسمدة الكيماوية والعضوية والمخصبات والأعلاف الحيوانية. كذلك تشجيع إنشاء الجمعيات التعاونية الزراعية وبرامج التنمية الريفية التي تمكِّن المزارعين من تجميع منتجاتهم وتقليل تكاليفهم وزيادة قدراتهم التنافسية والتفاوضية. أيضًا دمج ودعم التصنيع والتسويق ضمن برامج التنمية الريفية الشاملة، مثل: "برنامج ريف" الذي يدعم برنامج التنمية الريفية المستدامة والأسر الريفية ويشجع الشباب على الانخراط في القطاع الزراعي، إلى جانب تحسين طرق الإنتاجية وتبني تقنيات جديدة وحديثة مثل الزراعة الذكية وزراعة المشاتل (البيوت الخضراء) وتدريب المزارعين لتعزيز مهاراتهم المعرفية وتسهيل النقل والتوزيع وتعزيز الوعي بأهمية المنتجات المحلية وتشجيع استهلاكها ودعم ممارسات الزراعة المستدامة للحفاظ على الموارد الطبيعية، إن إنشاء مصنع زراعي أو غذائي في المناطق الريفية لهو مشروع يتطلب تخطيطًا دقيقًا ومراحل متعددة لضمان نجاح وسهولة وصول المنتجات الزراعية للأسواق وللمستهلكين. كما أن اختيار الموقع يجب أن يكون مناسبًا من حيث القرب من مصادر المواد الخام والأسواق وتوفر العمالة وسهولة الوصول إلى تلك المواقع وتوافر الخدمات فيها، كما يجب النظر لتصميم مخطط هندسي للمصنع بما يضمن انسيابية العمليات والالتزام بمعايير السلامة والصحة الغذائية، ومناطق الاستقبال والإنتاج والتعبئة والتخزين والشحن، كذلك تصميم أنظمة التهوية والتبريد والتغذية الكهربائية والمياه والطاقة المتجددة والصرف الصحي والنفايات والحد من الانبعاثات وتحري الآثار البيئية المترتبة، أيضاً تحديد الطاقة الإنتاجية والتوقعات البيعية والتسويق والتدفقات النقدية، وتحليل نقطة التعادل، وفترة استرداد رأس المال، ومؤشرات الربحية، مع ضرورة المساعدة في تحديد التراخيص اللازمة من الجهات الحكومية المعنية وذات العلاقة مثل وزارة الصناعة ووزارة البيئة وهيئة الغذاء والدواء والبلديات والدفاع المدني. وفيما يلي بعض الاقتراحات والتوصيات التي يرى أهميتها مع هذا التوجه نحو إنشاء مصانع زراعية وغذائية في المناطق الريفية، وتتلخص فيما ما يلي: مساعدة المزارعين على إقامة شراكات مع شركات التجزئة الكبرى والمتاجر، لضمان تسويق منتجاتهم على نطاق أوسع. دعم أسواق المزارعين المحلية وتنظيمها، حيث يمكن للمزارعين بيع منتجاتهم مباشرة للمستهلكين. تشجيع نموذج "من المزرعة إلى المائدة" من خلال ربط المزارعين مباشرة بالمطاعم والفنادق. إنشاء متاجر إلكترونية أو منصات رقمية خاصة بالمنتجات الزراعية، مما يتيح للمزارعين الوصول إلى قاعدة عملاء أوسع. * جامعة الملك سعود