مع سهولة وصول أي شي إلى المنزل بأي وقت خلال اليوم بضغطة زر من أي شخص أياً كان عمره، ومع ازدياد الهوس بالكماليات «عالمياً» والشره الملحوظ بكل شي، أصبح من الضرورة التدخل لوضع الحد للعبث الشرائي مهما كلف الأمر عند شريحة ليست بالقليلة. العالم يشهد اليوم تغييراً جذرياً في سلوكيات الاستهلاك، وتؤثر في ذلك عوامل متنوعة تشمل التسوق الإلكتروني، وتوصيل الطلبات، والثقافة المالية. وفي دول الخليج تحديداً، تعتبر هذه الظواهر أشد تأثيراً نظراً لارتفاع دخل الفرد وانتشار التكنولوجيا، والتساؤل هنا عن أهمية رفع الوعي الاستهلاكي للأسرة، وأثر التسوق اليومي، ودور التجارة الإلكترونية والكماليات، وتأثير التوصيل على زيادة المصاريف، وتنمية ثقافة الادخار، والتساهل يعزز تزايد الأبناء الاستهلاكيين، وأسباب تنافس الأسر في الشراء الزائد. * كيف نرفع الوعي الاستهلاكي للأسرة؟ أ. التعليم المالي المبكر في المدرسة: بيّنت دراسات محلية أن ضعف الثقافة المالية يرجع جزئياً إلى غياب تعليم مفاهيم الادخار وإدارة المال من الصغر، ويمكن تعزيز ذلك بإدراج مناهج مالية مبسطة، تشمل: مبادئ الميزانية وتحديد الأولويات وفهم الفرق بين الاحتياج والكمالية ومحاكاة تطبيقية (مثل «ميزانية منزلية وهمية»). ب. حملات توعية مجتمعية: تنظم في دول الخليج، مثل منتديات رؤية 2030 وورش عمل عبر البنوك، توعية مالية للأسر. وتشمل الأنشطة: ورش تفاعلية لأمهات وآباء، إرشادات عبر التأثير الاجتماعي ووسائل التواصل. ج. أدوات تكنولوجية مساعدة: ظهرت في الخليج تطبيقات تساعد في الادخار والاستثمار المباشر للمستخدم العادي، على الرغم من وجود رسوم مرتفعة لخدمات بعض منها، فإن الوعي المالي يتنامى مع استخدامها ويتطلب ذلك: دعم تنظيم حكومي لتخفيف التكاليف، وحملات داخل المؤسسات لتعريف الموظفين بها. * هل التسوق اليومي عادة سلبية؟ التسوق اليومي عادةً ما يؤدي إلى إنفاق طارئ وغير مخطط له، مما يعيق التخطيط المالي. وبدون ميزانية واضحة، تتحول النزهة إلى إنفاق دون هدف، ويؤكد خبراء التنظيم المالي على أهمية تسجيل المصروفات أسبوعياً وتبني نظام الشراء المنظم. التأثير النفسي والاجتماعي: الشباب بخاصة معرضون لموجة الاستهلاك من خلال الإعلانات ووسائل التواصل، ويصبح التسوق شعوراً بالراحة أكثر من حاجة. نخلص الى أن التسوق اليومي ليس سيئاً بحد ذاته، لكن يصبح عادة سلبية عند غياب التخطيط والحدود. * لماذا رفع التسوق الإلكتروني سقف الكماليات؟ أ. سهولة الوصول والتنويع: تشير الدراسات إلى أن أكثر من 48 % من سكان الخليج يفضلون التسوق عبر الإنترنت، ففي المملكة العربية السعودية يمارس أكثر من نصف المستهلكين (55 %) التسوق الهجين (رقمي / تقليدي). ب. عروض التكلفة والتوصيل المجاني: تقدم المتاجر الرقمية خصومات مؤقتة وخيارات دفع آمنة، مما يخفض الشعور بتجاوز الميزانية. ووجود خدمات تحفّز المستهلكين على استكشاف كماليات وتجربتها بحرية أكبر. ج. نمو فئات القيم المرتفعة: وفق تقرير Admitad وFlowwow، ارتفع متوسط قيمة الطلبات في السعودية إلى 52.5 دولاراً (أكثر من 197 ريالاً) في 2024، مما يعكس ميل الأسر لشراء عناصر فاخرة. * هل خدمة التوصيل ضاعفت المصاريف الشهرية؟ نعم، التوصيل السريع يزيد الإنفاق بطرق غير مباشرة: 1. تكاليف الشحن والضريبة: عند الشراء من الخارج، تضاف الضرائب (15 % في السعودية) ورسوم تتراوح بين 5–20 ريال للطلبية الصغيرة. 2. الطلب الفوري: الرغبة في تلبية الاحتياجات بدون تخطيط مسبق تقود إلى إنفاق طارئ مبالغ فيه. 3. الاندفاع: سهولة التوصيل تشجع على عمليات شراء متكررة للكماليات. بالتالي، تغير نموذج الاستهلاك من «الشراء عند الحاجة» إلى «الشراء بسبب التوفر الفوري». * كيف ننمي ثقافة الادخار لدى أفراد الأسرة؟ أ. تحديد أهداف ذكية: تحديد هدف مالي (عطلة، شراء سيارة) حساب المبلغ الشهري اللازم لتحقيق الهدف ب. تخصيص حسابات منفصلة: تفيد تجارب مثل تحويل مبلغ ثابت إلى حساب منفصل عن البطاقة البنكية. ج. اتباع مبدأ 50/30/20: 50% للضروريات 30% للكماليات 20% للادخار والاستثمار د. تحفيز مجتمعياً: مسابقات ادخار عائلية أو مؤسساتية حوافز تشجيعية من قطاعات مثل جامعات وشركات ومؤسسات حكومية وفق رؤية 2030. ه. استثمار مدخرات صغيرة: من خلال أدوات استثمارية آمنة (سندات، صناديق) يوفرها البنك المركزي أو البنوك التجارية. 1. هل بتساهلنا نؤسس لأبناء أثرياء أم استهلاكيين فقراء؟ تساهل مفرط يؤدي إلى: عدم إدراك الفرق بين «الاحتياج» و»الرغبة». ضعف القدرة على التحمل المالي عند المستقبل. تنشئة مدروسة تُكسب الأطفال قيم الادخار والتخطيط المالي، ما يعزز استقلاليتهم لاحقاً في الحياة. «ثقافة الادخار تبدأ من المنزل... الطفل يتعلم كيف يوفر مصروفه لأموره الشخصية» 2. لماذا تتنافس الأسر لشراء ما لا تحتاج؟ الانتماء الاجتماعي والتفاخر الاجتماعي: مقارنة مع الأقران وتحقيق مكانة اجتماعية، ضغط ثقافي / إعلامي: عبر الإعلانات ووسائل التواصل يعود على الأفراد صورة حياة رغدة تتطلب إنفاقاً. الإحصائيات تُظهر تجاوز الاستهلاك للادخار: إنفاق الأسر ارتفع بنسبة 38.6 % من 2007 إلى 2018، بينما الادخار تراجع بنسبة 27.1 % . السعودية: الادخار بين 2.4 % – 3 % من الدخل تقريباً، بينما تطمح رؤية 2030 لرفعها إلى 10% متوسط دول الخليج: تقارب 29 %، مقارنةً ب52 % بالدول المتقدمة 8.2 التجارة الإلكترونية. السعودية: نمو 9 % في عدد الطلبات الإلكتروني خلال 2024 متوسط قيمة الطلب الواحد 52.5 دولاراً ( 197 ريال) حجم بطاقات مدى: 44.4 مليار ريال في Q1 2024 (+22%) عدد المتاجر الإلكترونية على «معروف»: 65,577 الإمارات: 6.5 ملايين متسوق إنترنت عام 2023 (من 4.5 ملايين عام 2019) حجم السوق: 11 مليار دولار عام 2024، ومشاريع وصول 19 ملياراً عام 2029 8.3 القروض والبطاقات: القروض الاستهلاكية بالسعودية تجاوزت 410 مليارات ريال بنهاية 2022 بزيادة 9 % سنوياً . بطاقات الائتمان سجلت 23 مليار ريال، بارتفاع 18.3 % عن 2021 التحديات الرئيسة: ضعف الثقافة المالية، التساهل في الشراء، وانتشار التجارة الإلكترونية والتوصيل السريع. الفرص المتاحة: إدخال فصول مالية تعليمية، أدوات تقنية للادخار، تنظيم وتوفيق بين التسوق الفوري وتخطيط الأسرة. الدعوات العملية: 1. برامج حكومية وخاصة لرفع الوعي المالي. 2. مبادرات إدماج نظم مالية بالأسر والمؤسسات. 3. ربط الادخار بتسهيلات وتحفيزات فعلية. 4. متابعة نتائج رؤية 2030 ورفع معدل الادخار الى 10 %. بتنفيذ هذه الخطوات، يمكن تأصيل وعي استهلاكي متوازن في الأسرة الخليجية، مما يعزز الاستقرار المالي ويحول الجيل القادم من مستهلكين إلى خبراء ماليين قادرين على التخطيط وحسن الإدارة. كيف نُغيّر البوصلة ليصبح لكل فرد محفظة استثمارية بدلاً من أن يكون مستهلكًا عبثياً؟ أخيراً: التحول من سلوك «الاستهلاك العبثي» إلى «الاستثمار الواعي» يتطلب تغييراً في البوصلة الذهنية أولاً، قبل الأدوات والوسائل. فالفرد المستهلك ينفق بدافع المتعة اللحظية أو التقليد الاجتماعي، في حين المستثمر يفكر في المستقبل، ويبني قراراته على أهداف مدروسة. الخطوة الأولى، تبدأ بتفكيك المفاهيم الخاطئة: الاستثمار ليس حكراً على الأغنياء أو الخبراء الماليين. بفضل التطبيقات البنكية والمنصات الإلكترونية، أصبح من الممكن لأي شخص فتح محفظة استثمارية بمبالغ تبدأ من 50 ريال هذه الخطوة وحدها تعيد تشكيل علاقة الفرد بالمال من أداة إنفاق إلى وسيلة بناء. الخطوة الثانية، نحتاج إلى إعادة تعريف النجاح المالي. فبدل أن يُقاس بالممتلكات الفاخرة، يُقاس بالاستقرار المالي، تنوع مصادر الدخل، وامتلاك أصول تنمو بمرور الزمن. لذلك، من الضروري إدخال مفاهيم مثل «العائد التراكمي»، «تنويع المحفظة»، و»الحرية المالية» في الوعي المجتمعي، خاصة لدى الشباب. الخطوة الثالثة، تعزيز ثقافة الادخار الموجه، أي أن لا يُدخر المال لمجرد الادخار، بل من أجل الاستثمار. وهذا يتطلب ربط الادخار بهدف (امتلاك منزل، التقاعد المبكر، إنشاء مشروع)، ومن ثم تحويله إلى استثمار عبر محافظ أسهم، صناديق.