كنت أعتقد أن ترسية حقوق نقل البطولات الكروية السعودية ستكون من نصيب إحدى المؤسسات الإعلامية الكبرى مثل MBC أو روتانا أو حتى إحدى القنوات الرياضية المتخصصة ذات التاريخ الطويل في هذا المضمار، لكن المفاجأة جاءت من خارج الصندوق تمامًا، شركة "ثمانية"، هذه الشركة التي لم يسبق أن نقلت حدثًا رياضيًا وليس لها تجربة في النقل المرئي، بالرغم من كونها حققت نجاحًا باهرًا في صناعة البودكاست وسرد القصص الصوتية بمستوى احترافي عالمي. تاريخ النقل الرياضي في السعودية بدأ بإمكانات بسيطة على القناة السعودية الأولى والثانية أحيانًا، قبل إطلاق القناة الرياضية السعودية عام 2002، ثم جاء البث الرقمي عبر قنوات SSC ومنصة "شاهد"، أما الآن فتدخل "ثمانية" إلى هذا المشهد في خطوة قد تعيد تعريف التجربة الإعلامية الرياضية. اختيار جهة غير تقليدية يعكس التغيير الجذري في قواعد اللعبة، فاليوم المنصات لا تكتفي بعرض الحدث بل تصنعه، والمشاهد لم يعد مجرد متلقٍ بل شريكا في التفاعل، تقرير PwC Global Sports Survey 2023 أشار إلى أن 70 % من الدوريات الكبرى تعيد هيكلة حقوق النقل لصالح النماذج الرقمية، فيما ذكر تقرير Deloitte 2024 أن نصف الشباب بين 18 و34 عامًا يفضلون متابعة المباريات عبر الهواتف والمنصات الرقمية بدلاً من التلفاز. فوز "ثمانية" إذن ليس مفاجأة بقدر ما هو انعكاس لحراك جديد في الإعلام الرياضي السعودي، مدفوعًا بأرقام لافتة، فمثلًا، بلغ عدد مستخدمي الفيديو حسب الطلب في السعودية أكثر من 18 مليون مستخدم شهريًا حسب Comscore MENA، وتشير Statista إلى أن سوق البث الرقمي الرياضي ينمو عالميًا بنسبة تفوق 11 % سنويًا ليصل إلى 65 مليار دولار بحلول 2028. كل ذلك يتزامن مع الطفرة التي يشهدها الدوري السعودي، والذي أصبح موطنًا لأسماء عالمية مثل رونالدو وبنزيما وكانتي ومحرز وماني وفيرمينيو وغيرهم، هؤلاء النجوم رفعوا من المستوى الفني والتسويقي والإعلامي، فتقرير Nielsen Sports أوضح أن التفاعل الرقمي على حسابات الأندية السعودية ارتفع 80 % منذ منتصف 2023، وتضاعف عدد المتابعين الدوليين للدوري بنسبة 126 % خلال أقل من عام. من الناحية التقنية، "ثمانية" تعد بتجربة مشاهدة غير تقليدية تبدأ من جودة FHD وتصل إلى 4K، مع منصة موحدة لجميع البطولات الكبرى: دوري روشن، كأس الملك، السوبر، ودوري يلو. كما ستوفر نماذج اشتراك مرنة، وأرشيفا، وتحليلات، وتجربة تفاعلية مشابهة لمنصات عالمية مثل DAZN وApple TV، التي شهدت قفزة في الاشتراكات بنسبة 110 % بعد انضمام ميسي إلى الدوري الأميركي. الجانب الإعلاني أيضًا يتطور؛ فبحسب MAGNA Global، الإنفاق على الإعلانات الرقمية المدمجة سيتجاوز 89 مليار دولار عالميًا في 2025، بفضل قدراتها في الاستهداف اللحظي وتحليل البيانات السلوكية، ما يعزز جاذبية الدوري السعودي للمعلنين. صحيح أن "ثمانية" لا تملك سجلًا في النقل الحي، لكنها تملك ما هو أهم، فهم عميق للجمهور الرقمي، وتقديم تجربة تُروى لا تُعرض فقط. هذا ما تحتاجه الكرة السعودية اليوم كشريك إعلامي يصنع الحكاية لا فقط يبث الحدث. التحول ليس في اسم الجهة التي فازت بالعقد، بل في مفهوم البث نفسه، من قناة تعرض إلى منصة تتفاعل، ومن معلق يصف إلى جمهور يشارك، وهذه هي اللحظة التي يبدأ فيها جمهور الكرة السعودية في العيش مع المباريات لا فقط مشاهدتها.