عند قصيدة النثر دائماً أتوقف، أتأمل، أغرق، أفكر، أشعر، هذا الشعر يمنحني ما أريد من الشعر. ومحمد خضر يمنح قارئه ما يريد من الشعر. يكتب الشعر من بوابة تدوين التفاصيل الصغيرة واليوميات العادية والذكريات المنسية لتجد نفسك وأنت تتبعه ملتحفاً الغيمة العابرة وتود لو تفتش جيوبه باحثاً عن القصائد التي لا تفيق. يمشي محمد خضر بين الشعراء خفيفاً، بصوت خفيض، ونظرات مرحبة لكن خجولة، وروح تكاد تلمسها من شدة حضورها وعمقها. صفات عرفتها في معظم شعراء النثر في بلادي، لا أعرف ما السر؟ لكنها صفات أحبها وهي صفات تشبه تماماً الشعر الذي يكتبون. يقول في إحدى قصائد ديوان فراغ في طابور طويل الحائز على جائزة توليولا الإيطالية: مرت حياته مثل سوء فهم متبادل في المرة الأولى التي قال فيها لا كانت اللاء الخاطئة هكذا وأنت تقرأ شعره، تشعر أنك تقرأ شيئاً يشبهك، شيئاً يتحرك في صدرك، هو يخرجه وينظر إليه ويكتبه، بلا صراخ، بلا ادعاء، بلا صخب، هو يتفرج على صدره ويكتب، شجن كثيف، حزن صامت. حزن بلا دموع. عن النبتة الغريبة يقول: كانت حزينة طوال الوقت أو هكذا أعتقد حزينة لا المكان يسعها ولا أحد يعرف اسمها ولا أحد يصدق أنها نبتة حقيقية اللغة قريبة، المفردات بسيطة، جميلة، كأنها فنجان القهوة الذي تشربه، أو شعاع الشمس الذي عبر النافذة واستقر إلى جوارك. الحنين الذي لا يتوقف عن نكزك، لا يجرحك لكنه باق، يتجدد ويتبلور ويتحول إلى فلسفة تمنحنا القدرة على البقاء صادقين مع أنفسنا غرباء وسط الآخرين. "تخذلنا المسافة لأنها نسبية الصور لأنها لا تنسى الوثن لأننا نصنعه بأيدينا المطر الذي لا نجد أحداً نخبره بهطوله" عناوين دواوينه تشي بما يكتب، تنتبه وأنت تقرؤها أن الأشياء العابرة تسكنه، قاموسه يكاد يخلو من الثبات والرسوخ، كل الأشياء إلى زوال، كل الأشياء يغلفها ضباب، وكلها مؤقتة أو منسية أو تائهة في برزخ الظنون. "البراري التي يركض فيها الدفء البراري الجرداء دونما نتوءات أو تجاعيد المكتنزة بينابيع متدفقة بهضاب وتضاريس وأحافير وآثار البراري الناعمة الملساء أضيع فيها بمحض إرادتي ظامئا وسعيدا" هذه كانت قصيدة لذة من ديوانه تماماً كما كنت أظن. كثيرة القصائد التي أود أن أقطفها وأزرعها هنا، قصائد تتمشى مع الغيم، وتلتقط الصور وسط الضباب، قصائد تفكر وتضيع وتنسى. لكنها في النهاية تبقى مزروعة كابتسامة لقيا الحبيب أو حين تخطر ذكراه على البال.