الخيانة الزوجية ليست مجرد فعل فردي يُختصر في خرق للاتفاقات بين الزوجين، بل هي انعكاس لعلاقة معقدة تنطوي على احتياجات غير مشبعة ومشاعر مكبوتة وسياقات قيميّة مختلفة ينتمي لها الزوجان. هذه العوامل تؤثر بشكل كبير على فهم العلاقة وتوقعاتها، وبالتالي على تفسير الخيانة. في مقالي هذا، سأتجاوز مناقشتها من منظور الصواب والخطأ، وأتناولها من زاوية اجتماعية أعمق، بناءً على الأسئلة التي تطرح عليّ دائمًا في العيادة. وتُعرّف الخيانة الزوجية بطرق متعددة بناءً على القيم الثقافية والخلفيات الاجتماعية فقد تكون جسدية، عاطفية، أو رقمية وهي تحدث عندما يهدد أحد الزوجين المعاني والرموز المشتركة بينهما والمرتبطة بالثقة والالتزام والاحترام خادشا بذلك أو كاسرا الميثاق الغليظ مما يؤدي إلى تهديد تماسك العلاقة. وللإجابة عن السؤال الجوهري: لماذا يختار أحد الزوجين الخيانة؟ فيجب أن نُدرك أن الخيانة الزوجية ظاهرة معقدة تنبع من تداخل عوامل اجتماعية ونفسية متعددة ووفقًا لعالم الاجتماع أنطوني غيدنز، شهدت العلاقات الزوجية الحديثة تحولًا جوهريًا؛ إذ أصبحت تعتمد بشكل أكبر على التوقعات العاطفية وتحقيق الذات، بخلاف ما كانت عليه في الماضي، حيث كانت العلاقات تقوم أساسًا على الالتزامات الاجتماعية أو الاقتصادية ولذلك في زمننا المعاصر يسعى الأزواج إلى شريك يلبي احتياجاتهم العاطفية ويساهم في نموهم الشخصي ومع ذلك، فإن هذه التوقعات العاطفية المتزايدة قد تؤدي إلى شعور بالإحباط إذا لم يتم إشباعها، مما يرفع من احتمالية حدوث الأزمات أو حتى الخيانة وعليه فإننا في هذا السياق، يمكن أن نفهم الخيانة كاستجابة لعدم إشباع تلك الاحتياجات العاطفية. من جانب آخر، تفسر المعالجة النفسية إستير بيريل الخيانة على أنها رغبة في استعادة مشاعر الحماسة أو إعادة اكتشاف الهوية الشخصية التي قد يشعر الزوجان أنهما فقدوها بسبب الروتين الزواجي إذ قد تعكس الخيانة أيضًا شعورًا بعدم الكفاية أو العجز عن التعبير عن الاحتياجات العاطفية بشكل صحي، مما يدفع الشخص للبحث عنها خارج العلاقة. ولفهم أعمق للخيانة الزوجية فسأقوم بتوظيف المدخل التفاعلي الرمزي إذ يعد أداة فعّالة لفهمها حيث إنه يعتمد على تحليل المعاني والرموز التي يضفيها الزوجان على سلوكياتهما الأمر الذي يعني أن الخيانة في هذا السياق قد تكون وسيلة غير مباشرة للتعبير عن الاستياء أو الشعور بالتجاهل، بدلًا من مواجهتها بشكل صريح فعندما يشعر الزوج/الزوجة بالإهمال بسبب نقص الاهتمام من شريكه، فقد يبحث عن شخص آخر لتلبية هذا الاحتياج العاطفي. هذا لا يعني بالضرورة فقدان الحب، بل هو مؤشر على ضعف في التواصل وفهم الاحتياجات وإشباعها. هذا الخلل يعكس حاجة ملحّة لإعادة تفسير السلوكيات والتفاعل بطرق تعزز التواصل وإشباع الاحتياجات المتبادلة. وما أريد تنبيه -القارئ العزيز- إليه بأن الخيانة الزوجية هي أزمة عاطفية عميقة تهدد تماسك العلاقة الزوجية وتعصف بالثقة بين الزوجين. ومع ذلك، يمكن النظر إليها كفرصة لإعادة تقييم المعاني التي يضفيها الزوجان على العلاقة ودراسة كيفية تفسيرهما لسلوكيات بعضهما. إذا تم التعامل معها بجدية ومرونة، فإنها قد تسهم في خلق حوار جديد يعيد تشكيل الفهم المتبادل ويعزز التفاهم المشترك. في هذا السياق، بعد الخيانة، يجب على الزوجين طرح سؤالين أساسيين: "ما الذي نفتقده في علاقتنا؟" و"كيف يمكننا بناء علاقة تعكس فهمًا أعمق لاحتياجاتنا ورغباتنا؟ وإليك ثلاث خطوات أساسية للتعامل مع الخيانة الزوجية: 1. التوقف عن الاستجابة لحالة الغضب: عند اكتشاف الخيانة، من السهل أن يتعرض الزوج / الزوجة للغضب الشديد مما يجعله يتخذ قرارات متسرعة قد تكون غير عقلانية، بما في ذلك التصرفات الجنائية كالعنف الجسدي. 2. إصلاح العلاقة يتطلب الشفافية: ينبغي أن يكون الإصلاح مبنيًا على مستوى عالٍ من الصراحة والاعتراف بالأخطاء. هذه الشفافية تساعد في التعامل مع الأزمة بشكل بناء وتفتح باب الحوار بين الزوجين. 3. استعادة الثقة: هي عملية تستغرق وقتًا وتتطلب جهدًا مشتركًا كما أنه يجب على الطرف الذي ارتكب الخيانة أن يظهر التزامًا حقيقيًا من خلال أفعال ملموسة وصادقة لضمان استعادة بناء الثقة تدريجيًا. وأخيرًا، يمكننا أن نستلهم من مقولة كونفوشيوس: 'الرجال العظماء لا يهدون أنفسهم لشيء سوى الجود والفضيلة"-ينطبق على النساء العظيمات- فعندما يلتزم الزوج / الزوجة بالميثاق الغليظ، ويعزز المعاني والرموز التي تدعم تماسك العلاقة الزوجية، فإن ذلك لا يساهم فقط في استقرار العلاقة، بل يزيد من جمالها ونضجها، مما يجعلها أكثر تماسكا واستدامة. * أخصائي اجتماعي