ليس غريباً أن يلمع الذهب، مواصلاً قفزاته المذهلة، ومتجاوزًا حاجز 3350 دولار للأونصة، فهذه هي الأوقات المثالية لتعزيز صورته الذهنية كملاذ آمن، تخيلوا فقط، في ديسمبر 2020 كان سعره 1820 دولارًا، واليوم، بعد خمس سنوات، كسب المعدن النفيس 1530 دولارًا، وقد استجابت البنوك المركزية لهذه الارتفاعات بزيادة مشترياتها، ففي عام 2022 بلغت مشتريات البنوك المركزية من الذهب 1082 طنًا، وفي عام 2023 سجلت البنوك ثاني أكبر عملية شراء سنوية في التاريخ، فاشترت 1051 طنًا، وفي عام 2024 اشترت 1041 طنًا، وفي العام الجاري، حلقت مشتريات البنوك المركزية إلى عنان السماء عند 70 طناً شهرياً. تثير رياح التغيير عاصفةً من الأسعار، فالغموض سيد الموقف، وهناك مخاوف من زيادة التضخم، ورسوم ترمب تعيد تشكيل التجارة العالمية، وفي قلب الاضطراب، تنتفض إفريقيا، التي تنتج ربع ذهب العالم، لحصدِ ثمار طفرة الأسعار، لكن المعدن النفيس ليس مجرد ثروة مادية، فهو رمز للقوة والتأثير، والولاياتالمتحدة تقود هذا الاتجاه، والدليل على ذلك، أن الذهب معفي من الرسوم الجمركية في الولاياتالمتحدة، لماذا؟ لأنه قوة أساسية في اقتصاد البلاد وأمنها القومي، ولهذا السبب، تستورد أميركا كميات ضخمة من الذهب، خاصةً من إفريقيا، وعلى سبيل المثال، في يناير 2025، اشترت الولاياتالمتحدة ذهبًا من جنوب إفريقيا بقيمة 344 مليون دولار، وزادت وارداتها من غانا بنسبة 53٪ إلى 1.5 مليار دولار، واشترت ذهباً من المكسيك بقيمة 414 مليون دولار، ومن كندا بقيمة 1.1 مليار دولار. تبني الولاياتالمتحدة احتياطياتها الاستراتيجية من الذهب بسرعة الصاروخ، فقد زادت مشترياتها، لتصبح أربعة أضعاف روسيا أو الصين، وأكثر المستفيدين هم كبار المنتجين الأفارقة في غانا، وجنوب إفريقيا، ومالي، وبوركينا فاسو، حيث راكموا مليارات الدولارات الإضافية، بسبب قوة الطلب الأميركي، في الوقت نفسه، تتفاوض بعض الدول الإفريقية مع إدارة ترمب، حتى تستطيع الوصول للأسواق مقابل إعفاءات جمركية، ومع ذلك، يواجه التهافت على شراء الذهب تحديات كبيرة، من بينها زيادة أنشطة الجريمة المنظمة في التعدين غير المشروع، خاصة في مناطق الصراع مثل السودان، والكونغو، وإفريقيا الوسطى، والتي تعد بؤراً ساخنة للتعدين غير المشروع، فيما تنشط بعض المناطق في غسيل أموال الذهب غير المشروع. يقيني، أن أوروبا غاضبة مما يحدث، فكل الذهب يتدفق تقريباً إلى الولاياتالمتحدة، حيث يتم تفريغ خزائن لندن من الذهب، لتستقر في نيويورك، بينما تتقلص احتياطيات سويسرا والمملكة المتحدة من الذهب، مما جعل البعض يتهمون الولاياتالمتحدة بالاكتناز، أما المنتجون الأفارقة فقد بدأوا يتكيفون مع الطلب الأميركي المحموم، والآن يفكرون بشكل استراتيجي لتفادي رسوم ترمب، ويحاولون الإجابة على هذا السؤال: "ماذا لو عرضنا على الأميركيين حقوق تعدين مباشرة لخفض الرسوم؟"، وهم بذلك يسيرون على خطى صفقة المعادن الأوكرانية، حيث تتغير قواعد اللعبة، وتعقد الصفقات، والخلاصة، أن واشنطن منهمكة في تخزين الذهب، وإفريقيا تجني أرباحًا طائلة، وما يجب أن ندركه، هو أن ما يحدث حالياً في أسواق الذهب ليس مجرد طفرة أسعار، بل هو تحول استراتيجي كامل ستظهر آثاره في الوقت المناسب.