يعتقدُ البعض أنَّ رياضة سباقات الهجن مجرد- سبق ومساير- أي مطايا تركض في الميدان، أو سباق يبتدأ -بفالك النّوماس- وينتهي عند خط النهاية بتبادل التهاني، والصَّدارة والتَّتويج؛ ذلك لأنَّهم لم يروا إلا مشهدًا اقتُطع من قصَّةٍ تحكي إرثًا عمره يتجاوز سبعة آلاف سنة نُقش على الحجر وجسّد في الشّعر، وتناقلته الأجيال. فعَبر بوابةِ الشّمال، وطرق التّجارة بالأحساء، وفي أرض الأخدود؛ ظلَّت الهجن ناقلةً للحضارات، وفي سوق عكاظ ألهمت الشعراء وكُتب فيها أجزل الشعر وأحسنه، وفي مملكتنا كان للهجن دور رئيسي في توحيدها وحماية حدودها. حكايا تروى وأخرى تُكتب لتبقى. سباقات الهجن ليست سباقًا عاديًّا فقط، وإنّما هي: إرثٌ وثروة، وموردٌ اقتصادي، وجذبٌ سياحي، وتواصل رياضي وتجاري واجتماعي بين أهلها، وكلُّ هذه التَّفرُّعات تعود بالنَّفع المادِّي لملَّاكها ومملكتنا. فالجانب الاقتصادي لرياضة الهجن يشمل عدَّة قطاعات خدميَّة وتشغيليَّة لها مكاسب ماديَّة يستفيد منها المورد والمستهلك، كما أصبحت وجهةً للسُّياح، وتحوَّلت إلى قطاع ترفيهي للبعض؛ فمشاهدة السّباقات داخل الميدان، والاستفادة من الخدمات الَّتي تتوفر به تنعكس بالنَّفع على المستفيد من خلال توفير بيئةٍ متكاملةٍ له، ولمقدم الخدمة بالانتفاع المادّي. وهذا يثبت بأن رياضةَ سباقات الهجن معادلةٌ رابحةٌ للجميع. ويأتي هذا الازدهار من العمل الدؤوب، ووضعِ الخطط التطويريَّة التي سعى لتنفيذها الاتحاد السعودي للهجن، الذي أثبت نجاحه خلال سنواتٍ قليلةٍ، وأخذ رياضة الهجن لبُعدٍ آخر، إنجازات متتالية ومحطَّات متتابعة، وميادين حققت أهدافًا أبعد من رؤية الفرد من خلال الخطط التي شكَّلت خارطةً جديدةً لرياضة الهجن، وتطوير كفاءات وطنية تقود العمل الإداري والميداني للنهوض بها. أما على الصَّعيد الثقافي لأهميتها ورمزيتها لنا في المملكة العربية السعودية سمَّت وزارة الثقافة العام 2024م عامَ الإبل، وهذا المسمّى يؤكّد العمق الثقافي لها، وغرس أهميتها في عقول الأجيال، والتَّعرف عليها وعلى مسمياتها التي ترمز إلى صفاتٍ تميّزها عن غيرها، فمثلًا الهجن مسمًى يُميّز المطايا التي يسمح لها بالدُّخول في السّباقات دون غيرها، حيثُ الصفات الشكليَّة والسُّلالات الأصيلة هي الفيصل. وهذه الرِياضة تعدَّت حدود المضمار للعالميَّة عبر الوسائل الرقميَّة والحضور الكثيف من مختلف أنحاء العالم للمشاركة والمشاهدة وعيش تجربةٍ كما يرونها استثنائية أضافت لهم معرفةً ثقافيةً وتجربةً ثريّةً، وكيف طوّرت وطوّعت التقنية لاستدامة سباقاتها. مما جعل هذا التواصل الثقافي، والتعرّف على عوالم جديدة للبعض؛ ينقل الحدث برؤية المستكشف الشغوف، الذي يحكي للعالم أنّ المملكة العربية السعودية تُسابق الزمن بتوازن بين التقدُّم بخطى ثابتة والحفاظ على هويَّتها الثقافية وتراثها الذي تعتز به وتحفظه؛ وهذا يؤكد أنّ لديها الإمكانيات، والانفتاح الفكري، وبناء جسور التواصل مع الثقافات الأخرى.