الموت حق، ولله الحمد على ما قدر علينا وفرض، وأمام هذه القدر الذي لا مفر منه إلا إليه، لا يسعنا القول إلا «إنا لله وإنا كلنا إليه راجعون»، ولو كان أحد يعفى من الموت لكان عفي المصطفى عليه صلوات ربي وسلامه، لهذا فإن الحديث دائماً عن الراحلين قدراً من دنيا الزوال إلى عالم الخلود إنما لا يكون إلا بالترحم عليهم والدعاء لهم، وبعضاً من مواساة وتصبير لمن بعدهم من أهل وأصحاب، غير أن هنالك رمزية مقدمة في التعامل مع واقع الموت حين يقع بيننا، وهو التكاتف والتراحم والتواصل والمواساة، وهنا نبدأ بتعزية الشيخ عبدالله العثيم بوفاة ولده عبدالمحسن -رحمه الله- وأسكنه فسيح جناته، ولا نقول للشيخ إلا «عظم الله أجركم». ما يكون في واقعنا في هكذا حالات هي تلك المواقف الجميلة التي يسجلها المجتمع السعودي بالتكاتف والتواصل، وليس بجديد علينا ولا هو مستغرب، ويكفي أن نقول إن هكذا تعاضداً هو من نهج دولتنا العتيدة العريقة، ومن صلب عاداتنا وتقاليدنا وموروثنا، وهو التزام منا بنهج الإسلام الصحيح، فكلنا أخوة، وكلنا تحت راية التوحيد نقف على قلب رجل واحد، وولاة أمرنا المقدر لهم حمل الأمانة من رب البيت عز وجل، دائماً ما يضربون لنا المثل الطيب والقدوة الصالحة في هكذا مواقف، فهم ليسوا ولاة أمر فقط وإنما هم على نهج الأبوة والأخوة واقفون ثابتون لكل الشعب السعودي. الأعداد الكبيرة من المعزين الذين حضروا في المسجد للصلاة على المرحوم أو شاركوا في تشييعه أو الذين حضروا لبيت العزاء ليقدموا واجب العزاء والمواساة في وفاة عبدالمحسن -رحمه الله- من أصحاب السمو والمعالي وشيوخ العشائر والمسؤولين والمحبين للشيخ عبدالله وإخوانه وأبنائه، لدليل حي قائم ماثل أمامنا على أن مجتمعنا -ولله الحمد- في غمرة الدنيا الحديثة المتسارعة في الابتعاد عن كل ما هو أصيل، هو مجتمع متقارب متماسك متكاتف، مجتمع من رأس الهرم فيه إلى كل أركان قاعدته يعلمون جيداً أن المواطن السعودي ذو شأن عالٍ وذو قيمة كبيرة، وأن الواجب يبقى واجباً إنسانياً بعيداً عن المسؤولية والمنصب والمركز. في كل مدينة وقرية دائماً -ولله الحمد- ما نجد القيادة الرشيدة بممثليها يحضرون ويتواصلون في مواقف العزاء، والشيخ عبدالله وإخوته وأبناؤه يحظون بمحبة من الجميع، وحضور من حضر وتواصلهم بالتعزية بعبدالمحسن -رحمه الله- إنما دليل محبة واحترام وتقدير لشخصية العثيم ولمكانتها التي استطاعت -ولله الحمد- أن تثبت أن العمل الخيري في خدمة الصالح العام عملٌ له الأجر من الله -إن شاء الله-، وله التقدير من الجميع، ويأتي تأسيس محفظة استثمارية وقفية بمبلغ 100 مليون ريال للراحل عبدالمحسن -رحمه الله- لصالح مجلس الجمعيات الأهلية ومبادراتها للأعمال الخيرية والإنسانية لدليل على أن العطاء والخير ينبع من رحم كل المواقف السعيدة والحزينة. رحم الله الفقيد وألهم أهله من بعده الصبر والسلوان، وعظم الله أجر والديه، وكلنا على هذا الدرب سائرون. وإنا لله وإنا إليه راجعون.