كان تعيين السفير نايف السديري سفيرًا فوق العادة وغير مقيم لدى دولة فلسطين وقنصلاً عامًا للمملكة في القدس الأسبوع الماضي حدثًا سياسيًا مهمًا أثار كثيرًا من التحليلات، لكن الكل أجمع على أن حلم إسرائيل في التطبيع مع المملكة "مثل أمل إبليس بالجنة" بدون إنهاء احتلال الضفة الغربية والاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني كما تنص على ذلك المواثيق الدولية وقرارات مجلس الأمن ومنظمة الأممالمتحدة. تكمن أهمية الخطوة السعودية في أنها جاءت في مرحلة يشن فيها الكيان الصهيوني على الشعب الفلسطيني حرب تطهير عرقي لطمس هويته وإنكار حقه في الوجود، وكانت "فخًا" سعوديًا محكمًا لتعرية هذا الكيان والداعمين له. وقد نجحت قيادة المملكة في تعرية حكومة هذا الاحتلال العنصري المتطرفة التي ترفض كل نداءات السلام وتريد أن تأخذ كل شيء ولا تعطي شيئًا بالمقابل، حين قال وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين إن "إسرائيل" لن تسمح بفتح أي بعثات دبلوماسية لدى السلطة الفلسطينية في شرقي القدس. وما لا يفهمه هذا الوزير ورئيس حكومته وأمثاله من غلاة المستوطنين الغرباء على هذه الأرض هو أنهم لن ينعموا بالسلام ما لم يتوقفوا عن أوهامهم التوراتية وأن المملكة هي مفتاح الحرب والسلام فعلى الرغم من حالة التفكك التي يعيشها العالم العربي، إلا أنهم يعرفون بأن المملكة لو خيّرت بين إسرائيل وفلسطين فسوف تختار فلسطينوالقدس والمسجد الأقصى وسوف تفرض الحل الذي تنتظره الشعوب العربية والإسلامية. لقد جربت حكومات الدولة اليهودية فرض إرادتها على العالم العربي من خلال الحروب وما يعرف باتفاقيات السلام، لكن هذا السلام ظل باردًا لأن الشعوب العربية، حتى في الدول المطبعة، ترفض هذا الجسم الغريب الذي يعيش على الحروب والكذب وخداع العالم والتنصل من كل العهود والمواثيق. عندما أقدمت المملكة على هذه الخطوة، وفي كل الاجتماعات واللقاءات مع الجانب الأمريكي، الداعم الرئيس لإسرائيل سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا، تؤكد قيادة المملكة ممثلة بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسمو ولي العهد محمد بن سلمان حفظ الله أن أي حديث عن التطبيع المزعوم لن يكون مجانيًا. لقد بات واضحًا لمراكز صنع القرار في العالم أنهم يتعاملون مع واقع سياسي واضح في المملكة يتمثل في صلابة المواقف السياسية المستقلة، وأن خادم الحرمين وسمو ولي العهد، الوفيين لإرث الملك عبدالعزيز، يرفضان أي ضغوط لابتزاز مواقف سياسية، كما يرفضان ازدواجية المعايير، ولذلك على الآخرين أن يراجعوا حساباتهم، فالمملكة ترفض الدخول في تحالفات إقليمية أو دولية لصالح إسرائيل، وعلى الدول التي ترفض الاحتلال الروسي للأراض الأوكرانية أن ترفض الاحتلال الصهيوني للأراضي العربية. وعلى هذه الدول التي تعارض التسلح النووي، وحتى بناء المفاعلات النووية للأغراض السلمية كما هو الحال مع المشروع النووي السعودي، أن تعارض بنفس الحدة التسلح النووي الإسرائيلي وأن تعمل على نزع هذا السلاح. أما إذا استمرت هذه الدول في مواقفها، فإن المملكة تواصل تنفيذ رؤية 2030 متسلحة باقتصادها الذي يضبط إيقاع الاقتصاد العالمي، وسوف تستمر في توطين الصناعة العسكرية مستعينة بالعلاقات مع الدول الصديقة. في عام 1989، وفي الاحتفال الذي أقيم بمناسبة افتتاح سفارة فلسطين في الرياض، قال عريف الحفل "سوف نحتفل قريبًا برفع العالم السعودي على سفارة المملكة العربية السعودية في القدس إن شاء الله". يومها كان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أمير الرياض ورئيس اللجان الشعبية السعودية لدعم الانتفاضة، وقال الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات مخاطبًا إياه "أخي رفيق الدرب، عضو فتح، الأمير سلمان بن عبد العزيز". لقد كانت هذه الروح الأخوية الصادقة، وما تزال، هي ما يربط شعبنا السعودي بالشعب الفلسطيني الشقيق، وستظل المملكة مظلة الأمة العربية والإسلامية ولن تخون آمال الشعوب.