في بيانها ردًا على إحراق نسخة من المصحف الشريف في السويد، دعت منظمة التعاون الإسلامي إلى اتخاذ "تدابير جماعية" لمنع تكرار مثل هذا العمل الدنيء، والإساءة إلى نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، وشددت على "ضرورة تطبيق القانون الدولي لحظر الكراهية الدينية". من الواضح أن هذا البيان ليس إعلان حرب ضد هذه الدولة، التي تزعم بأنها ديمقراطية وحيادية، كما أن العمل الذي قام به شخص مبتور، ليس الأول ولن يكون الأخير في الدول الأوروبية "المدافعة عن حرية التعبير" والتي نصّبت نفسها مدافعة عن حقوق الإنسان، لكن معاييرها تختل عندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان العربي والإسلامي، كما يحدث في الهند وبورما وفلسطين، وهي ليست مستعدة للانتصار للحقوق المنتهكة، لأنها دول منافقة، وهي التي كانت سببًا في انتشار "الإسلاموفوبيا" الذي استدعى ردات فعل عنيفة، من أفراد وتنظيمات إسلامية متطرفة، مما زاد من انتشار موجة الكراهية ضد الإسلام والمسلمين. لقد أصبح حرق القرآن الكريم والإساءة لنبي الإسلام، وسيلة يستخدمها المختلون عقليًا والشاذون جنسيًا، والطامحون سياسيًا، من أجل كسب مزيد من الشهرة الرخيصة، وللتعبير عن الحقد الدفين في قلوبهم المريضة، فلو كانوا متدينين أصلاً، لفهمنا أن هذا التصرف الأهوج، مع رفضنا الشديد له، ربما يكون جزءًا من صراع الأديان الي تغذيه المسيحية الصهيونية الضالة، التي تكره الآخر وترفض التعايش معه. ما يغيض في كل ما حدث، هو أن هذا العمل الدنيء الذي قام به شخص تنكر لعروبته ووطنه، من أجل الحصول على الجنسية السويدية، قد أجازته الشرطة بموجب قرار قضائي، وهذا يعني أن الحكومة السويدية على الرغم من اعتذارها، متواطئة في هذه الجريمة، كما أنها لم تتعلم من ردات الفعل العنيفة في العالمين العربي والإسلامي، عندما وقعت حادثة شبيهة نفذتها حركة "اليمين المتطرف" في بعض المدن السويدية، وسبقها نشر رسوم كاريكاتيرية مسيئة للرسول الكريم في الدنمارك وفرنسا. وما يغيض أكثر هو أن هذه الواقعة حدثت في أول أيام العيد، ربما توقع كثيرون، أن تصدر منظمة التعاون الإسلامي بيانًا أكثر حدّة من هذا البيان، مثل قطع العلاقات مع السويد أو مقاطعة منتجاتها في الأسواق العربية والإسلامية، ولكن ما غاب عن بال هؤلاء، هو أن اجتماع المنظمة الطارئ في مدينة جدة، جاء بناء على دعوة من حكومة المملكة وبعد مشاورات أجراها وزير خارجيتنا سمو الأمير فيصل بن فرحان، ومنها تبادل الآراء مع وزير خارجية تركيا حقّان فيدان، الذي تعارض حكومته انضمام السويد لحلف النيتو. كان بإمكان الجانب السعودي أن يضغط من أجل أن تتخذ المنظمة، التي تضم 57 دولة، وهي المنظمة الأكبر في العالم بعد الأممالمتحدة، موقفًا أكثر صرامة ضد السويد، لكن هذا الموقف لن يحل المشكلة، لهذا كان من الأفضل مخاطبة العالم بلغة التسامح والاعتدال، وهي الروح الحقيقية لديننا الحنيف وهي جوهر رؤية المملكة 2030. لكن قيادة المملكة ممثلة بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، وولي عهده سمو الأمير محمد بن سلمان، لم تكن لتسمح لهذا الحدث أن يقودها إلى صراعات جانبية، ويسرق منا هذا الفرح والاهتمام العالمي بالنجاح منقطع النظير لتنظيم واحد من أكبر مواسم الحج، فهذه القيادة بكل حكمتها المعهودة وصبرها، تعرف كيف تنتصر لدين الله ولنبيه وللمسلمين إذا ما تمادى السفهاء.