في زيارته لفرنسا التي امتدت لأكثر من أسبوع، أصبح سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مالئ الدنيا وشاغل وسائل الإعلام. وقد أظهر الترحيب الفرنسي بسموه مدى الاهتمام الذي توليه فرنسا لعلاقتها بالمملكة وقيادتها التي أصبحت لاعبًا فاعلاً على الساحة الدولية لا يمكن لأحد تجاوزه. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون احتفى بسموه كما لو أنه كان هدية من السماء، ولذلك كانت هذه الحميمية في الاحتضان بين الزعيمين الكبيرين اللذين تجمعهما صداقة قديمة واهتمامات مشتركة كثيرة. محللون كثيرون تابعوا هذه الزيارة لفرنسا وبرنامجها المزدحم باللقاءات، وقالوا إن ماكرون يريد مساعدة سموه في حل قضايا يصعب على ماكرون حلها. وفي هذا العالم المضطرب الذي تتلاعب بمصيره المصالح والأهواء ويأكل فيه القوي الضعيف تمامًا مثل شريعة الغاب، كان لابدّ من لقاء العقول التي تبحث عن حلول لتجنيب العالم مزيدًا من الويلات ولبناء نظام جديد وقوة عالمية ثالثة حتى لا يظل العالم أسيرًا لدول تدفع به إلى شفير الهاوية. بدءًا من لقائه مع الرئيس ماكرون ومرورًا بافتتاح معرض إكسبو الرياض وانتهاء بقمة باريس "من أجل ميثاق مالي عالمي جديد"، كانت رسالة سموه واضحة وعنوانها "معًا نستشرف المستقبل"، ومعًا نبني العالم من أجل العالم. إنه العالم الذي يريده. عالم يسوده السلام والاستقرار والازدهار وليس الحروب والاضطرابات والفقر. قبل نحو قرن من الزمان، قال الشاعر الإنكليزي روديارد كيبلينغ "الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا أبداً"، وكان يعبّر فيها عن روح العصر الاستعماري الذي كرّس التمييز العنصري، مثلما عبّر أيضًا في قصيدته "عبء الرجل الأبيض" التي أزالها طلبة جامعة مانشستر مؤخرًا من على جدار جامعتهم. لكن يبدو أن الحكومات الغربية ما زالت محكومة بالعقلية الاستعمارية ولا يعنيها لو مات نصف العالم جوعًا، فهذا العالم غير عادل، كما قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونية غوتيريس في كلمته أمام مؤتمر باريس، والذي اختار أن يجلس بجانب سموه في الصفوف الأولى لقاعة المؤتمر اعترافًا بمكانة سموه وبلاده. سمو ولي العهد والرئيس ماكرون يعتقدان بأن هذا الوضع يجب أن ينتهي من خلال بناء شراكة استراتيجية، وليس علاقات تبعية، بين الشمال والجنوب. معرض إكسبو الرياض كان عرضًا افتراضيًا مذهلاً فقد أظهر الوجه الحضاري للمملكة للذين يعرفون أو لا يعرفون وكذلك التقدم الذي حققته في مختلف الميادين في ضوء رؤية المملكة 2030. قال لهم سمو ولي العهد: "مركزنا في التنافسية العالمية تحسن، انظروا للأرقام. انظروا فقط للأرقام التي توضح أين كنا وأين نحن اليوم، وأين سنكون في العام القادم". سمو ولي العهد لم يكن يبحث خلال هذه الزيارة إلا عن إعلاء علم المملكة ليظل دائمًا خفاقًا. لهذا، حرص شخصيًا على حضور العرض الخاص بترشح المملكة لاستضافة معرض إكسبو 2030 وسط منافسة من روسيا وكوريا الجنوبية وإيطاليا. هذا الحضور أكد تصميم سموه على الفوز بالترشيح، وهو الحضور الذي أثار حفيظة الجانب الإسرائيلي! ولم يكن يهدف من هذا الحضور والتواجد في قمة باريس البحث عن الشهرة، فقد نالها من أوسع أبوابها، لكنه خطف الأضواء وأغلقت "جموع غفيرة في باريس الطريق أمام سمو ولي العهد لأخذ صورة شخصية معه" كما انحنى له كثيرون تعبيرًا عن احترامهم، وصحيفة لاكروا الفرنسية قالت: "باريس ممر الهجمة السحرية لمحمد بن سلمان". في هذا العالم توجد شخصيات ترسخت في الأذهان لعقود وشخصيات اختفت لأنها لم تستطع المنافسة، أما صورة سمو ولي العهد فشخصية سيادية لقائد سيحفر اسمه في سجل صانعي التاريخ الحديث.